وهذا يدلّ على أنّ التاريخ العربي عند نشأته سلك الطريق نفسه الذي سلكه الحديث ، فكان الخبر التاريخي على هذا النحو من عنصرين : رواة الخبر على التتابع وهوما يعرف بالسند أو الإسناد ، ثمّ نصّ الخبر ويسمّى المتن(١).
وتجلّى الانتفاع المشترك بين المحدّثين والمؤرّخين المسلمين الرواد في ابتكار علم الجرح والتعديل أو علم نقد الرجال ، إذ تكلّموا على كلّ راو وعرضوا تاريخه وسيرته ووضعوا له قواعد محكمة ، وقد اشتهر علماء مختصّون في هذا الباب مثل يحيى بن سعيد القطّان (ت١٨٩ هـ) ومحمّد بن سعد (ت٢٣٠ هـ) ويحيى بن معين (ت٣٣٣ هـ)(٢).
وقد أفاد المؤرّخون من نتائج هذا العلم الذي ساعدهم على تمتين روايتهم وتوثيقها ، وهكذا ظهرت كتب الطبقات وتاريخ الرجال التي تناولت السيرة النبوية ونبذاً من سيرة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ، ثمّ تابعت انتقال رواية الحديث إلى العلماء والرواة ، وممّا يزيد في وضوح هذا التأثير مانلمسه من جمع نسبة كبيرة من مؤرّخي الطبقات والتراجم بين الاهتمام بالتاريخ والاهتمام بالحديث ، فمعظم هؤلاء المؤرّخين كانوا أيضاً محدّثين(٣).
غير أنّ التأثّر بأسلوب المحدّثين لم يستمرّ بسبب التفاعل الحضاري مع الأمم الأخرى من ناحية ، وظهور كثير من الفرق الإسلامية واختلافها حول موضوع الخلافة والإمامة من ناحية أخرى ، فقد دفعها إلى اللجوء
__________________
(١) علم الحديث ومصطلحه : ٣٢.
(٢) ضحى الإسلام ٢/١٢٩.
(٣) الباعث الحثيث بشرح مختصر علوم الحديث : ٨٧ ـ ٨٨.