للنقد والتحليل ومحاولة كلّ طرف إثبات رأيه بالحجّة والبيّنة(١).
ولم يلبث المؤرّخ المسلم أن تحرّر تدريجيّاً من طريقة الإسناد التي كانت تلزم المؤرّخ بأن يكون مجرّد إخباري أي ناقل للخبر إلى الكتابة المرسلة التي تعنى بالخبر في ذاته ومناقشته ، وبينما كان الطبري (ت٣١٠ هـ) في كتابه تاريخ الرسل والملوك ومن سبقه من الإخباريّين يعنون عناية خاصّة بالإسناد وتسلسل الرواة فقد ظهر فريق آخر من المؤرّخين المسلمين ابتعدوا في كتاباتهم عن طريق الإسناد واكتفوا بإيراد الأخبار غير المسندة إلى أصحابها(٢).
وبذلك تميّز المؤرّخون المسلمون بالضبط في تسجيل الحوادث وصحّة الأخبار التي أوردوها ولاسيّما الأحداث الإسلامية ، وقد جاءتهم هذه الصحّة من الطريقة التي عالجوا بها هذه الأخبار واعتمادهم على مبدأ النقد وعدم أخذهم إلاّ عن العدول الثقات وفي نقدهم لسلسلة الرواة وتطبيق مبدأ الجرح والتعديل عليهم ، كما كان هناك عناية بالموضوعات التاريخية(٣).
وسلك المؤرّخ العربي منهجين امتازا بالدقّة والحذر في تدوين الأحداث هما : المنهج الأفقي (المنهج الموضوعي) ، والمنهج العمودي (المنهج الحولي).
١ ـ المنهج الموضوعي :
إنّ كلمة منهج تعني الطريق أو السلك المستقيم الواضح كما ورد في
__________________
(١) بحث في نشأة علم التاريخ عند المسلمين : ١٨ ، موارد تاريخ الطبري : ١٥٧.
(٢) علم التاريخ عند العرب : ١٦٢.
(٣) علم التاريخ عند المسلمين : ٩٥ ـ ٩٦ ، أصول الحديث التاريخي : ٦٩ ، فجر الإسلام : ٧٨.