نياقدة عُلماء الكلام وجهابذة النُّظّار
ـ سَبُوحٌ لَها مِنها عَليها شَواهِدُ ـ
ذلك الكتابُ الفريدُ في بِنائه وتنسيقه ، الفارعُ البارعُ في توثيقه وتحقيقه ، الذي صبّه مؤلّفه الحكيمُ الأمينُ في قالب من الإبداع والإتقان ، حتّى صار موضعَ قولِ القائل : (ليس بالإمكان أبدع ممّا كان) وحقّ لمُنشيه ومُوشّي حواشيه أن يخاطبه بقول القائل :
كتابِيَ سِرْ في الأرْضِواسْلُكْ فِجاجَها |
|
وخَلِّ عِبادَ اللهِ تَتْلُوكَ مَا تَتْلُو |
فَمَا بِكَ مِنْ أُكْذُوبَة فِأخافها |
|
ومَا بِكَ مِنْ جَهْل فِيُزْرِي بِكَ الجَهْلُ |
إنّ كتاب المُراجَعات ـ بحقٍّ ـ فتحٌ جديدٌ وإنجازٌ رائدٌ في باب الدراسات العقائديّة الجادّة ، وأثرٌ رائعٌ في عالَمِ الحِجاجِ والمُناظراتِ ، لم يُطبعْ كتابٌ آخر على غِرارِهِ ، ولم يُنسجْ على مِنوالِهِ في موضوعِه وموضوعيّتهِ ، وفي صِياغة أسلوبه وبلاغة تحريرهِ وتوشيةِ تحبيرِهِ وإشراقِ بيانهِ واطِّرادِ فُصُولهِ وتَساوُقِ ألفاظهِ ومعانيهِ واتّساقِ حُججهِ ومَبانيهِ وقُوّةِ إفحامِه وإلزامَه ، وفي التزامِ مؤلّفهِ (طيّبَ اللهُ ثَراهُ) بِأَدَبِ البحثِ والمُناظرةِ ، والبُعدِعن العِنادِ والمُكابرةِ ، والنأيِ عن طرائقِ السُبابِ والشَتْمِ والمُهاتَرةِ ، وفي احتوائه أُمّاتِ المسائلِ الخلافيّةِ بينَ الطائفتينِ المُسلمَتَينِ ـ الشيعةِ وأهل السنّةِ ـ ومُناقشتها على ضوءِ الكِتابِ العزيزِ ، الذي (... لاَّيَأْتِيهِ الْبَـطِـلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد)(١) والسُنّة المُطهرة ، ووزنها بميزان الاعتدال والإنصاف ، بعيداً عن الجَنَف والاعتساف ، وفي ضمن ذلك الدعوة إلى توحيد كلمة أهل التوحيد ، ونبذ الفرقة والخصومة وأن يعمل الفريقان بما اتّفقا ـ من ضرورات الإسلام ـ
__________________
(١) سورة فصّلت ٤١ : ٤٢.