مَناهِلَ مُتْرَعةَ الضِفاف ، بِنَمِير ذِي سَلْسَبِيل ، كلّما كَرَعْتَ من فُراتِهِ جُرْعَةً ؛ تحلبت شفتاك لجُرعات ، تحسبُ أنْ ليسَ لِظَمَئِكَ راوياً غيرها ..».
وجملةُ القول : إنّ كتاب المُراجَعات يُغني عن مكتبة كاملة في موضوع العقائد ، بما انطوى عليه من أدلّة عقليّة ونقليّة ، وما امتازَ بهِ من مَنهَجيّة قويمة وموضوعيّة سليمة من المؤاخَذات والاعتراضات ، وما حَفَلَ به من التحقيق الدقيق والتتبّع الوافي وسلامة المقدّمات المفضيةِ ـ بالضرورةِ ـ إلى صحّة النتائج ، وبالتالي إلزام الطَرَف الآخَر بِما ألزمَ بهِ نفسَهُ من الاعتراف بصحّة انتسابِ المذهب الشيّعي الاثني عشريّ إلى أئمّة العترة الطاهرين ، الذين قولُهم وحديثُهم : (رَوَى جَدُّنا عَنْ جَبْرَئِيلَ عَن البارِيْ).
وآية ذلك ما حصل للعلاّمة الكبير ، شيخ الأزهر في عصره ، ومرجع أهل السنّة في (مصره) الشيخ سليم البشريّ المالِكي (١٢٤٨ ـ ١٣٣٥ هـ) وهو الذي كان السببَ الباعثَ على وُقوع هذه المُراجَعات بعدَ أنْ قُدِّرَ له أن يرى السيّد شرف الدين ويبلوَ أخلاقَهُ ويَسْبِرَ غَوْرَه ؛ فوجده : «شخصاً رقيقَ المُنافثة ، دقيقَ المُباحثة ، شهيّ الُمجاملة ، قويّ الُمجادلة ، لطيفَ المُفاكهة ، شريفَ المُعاركة مَشكورَ المُلابسة ، مَبرُورَ المُنافسة ...»(١).
وكان ممّا ترتّبَ على ذلك أن التمسَ من سيّدنا الإمام شرف الدين أن يخوضَ معهُ في مسائل الخِلاف بينَ الفِرقَتين الإسلاميّتين الكبيرتين الشيعة وأهل السنّة ، والسيّد ـ يومئذ ـ في التاسعة والثلاثين من عُمره ، والشيخ في الحادية والثمانين.
وممّا خاطبَ بهِ البشريّ شرفَ الدين قولُه : «وإنّي لَواقفٌ على ساحلِ بحركَ اللُّجِّيّ ، أَستأْذِنُك في خوضِ عُبابِهِ ، والغوصَ على دُرَرِهِ ، فإنْ أَذِنْتَ
__________________
(١) المراجعات : ٥٥.