تَصريحِ جَريرِ نَفْسِهِ ـ في تَرجَمَةِ سالِمِ بْنِ أبى حَفْصَةَ ـ بِأَنَّهُ إِنَّما تَرَكَ سالِماً أي التحديث عَنْهُ وَالاِحْتِجاجِ بِهِ ؛ لأنَّهُ كانَ يُجادِلُ عَنِ الشّيعَةِ خُصُوْمَهُمْ وَيَذُبُّ عَنْ عَقائِدِهِمْ!! ثُمَّ لَمْ يُعِلِّقِ السَّيّدُ بِشَيء على ذلِكَ ؛ يُوَضِّحُ فِيهِ سَبَبَ اعتمادِهِ على ابْنِ قُتَيْبَةَ وَترجيحِ قَوْلِهِ بِتَشيّعِ (جَرِيْر) على اعْتِرافِ جرير نَفسِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَعْداءِ الشِّيعَةِ!!
وَإذا كانَ الْمُسَوِّغَ لابْنِ قُتَيْبَةَ في عَدِّ جَرير من الشّيعة(١) كَونُهُ (كُوْفِيّاً) ـ والغالِبُ عَلى أَهْلِ الكوفة (التشيّعُ) ـ فَهذا مُنْخَرِمٌ بانْتسابِ كثير من مُحَدّثي أهل السُّنَّةِ إلى الكوفَةَ ؛ كأبي بَكْرِ ابْنِ عَيّاش وَنُظَرائِهِ مِنَ الُْمحدِّثينَ وَالْفُقَهاءِ.
وَحَسْبُكَ بِأبى حَنيفةَ النعمان بن ثابِت الْكُوفيّ الفقيهِ ـ إمام الْحَنَفيّةِ ـ شاهِداً على ذلِك.
فَكَيْفَ؟ إذا انْضَمَّ إليهِ التَّنْصيصُ على عَدَمِ التشيّعِ ، كما هُوَ الحالُ في شَأْنِ جَرير؟
وَإذا كانَتِ النسبةُ إلى الْكُوفة هِيَ الداعِيَةَ لابْنِ قُتَيْبَةَ في عَدِّه جَريراً من الشّيعَةِ ؛ فَيُمْكِنُنا أَنْ نُعارِضَهُ ـ على طريقتهِ في الاسْتِدلالِ ـ بِكَوْنِ جرير بن عبد الحميد المذكور حيث كانَ مِنْ قبيلة (ضَبَّة) الذينَ كانُوْا ـ في الْجُملَةِ ـ مِنَ المُنْحَرفين عَن علي عليهالسلام ومواقِفُهُمْ ـ في يومِ الجَمَلِ ـ منه عليهالسلام معلومةٌ ، حتّى قالَ قائِلُهُمْ :
نحنُ بَنِي(٢) ضَبَّةَ أصحابُ الْجَمَلِ(٣)
وَخُلاصَةُ الْكَلامِ : أنَّ الْقَوْلَ بِنِسْبَةِ جَرِيْر الضَّبِّيّ إلى (التَشيُّعِ) لا دَليلَ يَعْضُدُهُ ، وَلانَقْلَ يَنْصُرُهُ ، بَلْ هُوَ مِنْ مُجازَفاتِ ابنِ قُتَيْبَةَ و (تَبرُّعاتِهِ) الَّتيْ
__________________
(١) المراجعات : ١١٣.
(٢) بالنَّصْبِ على الاخْتِصاص وَخَبَرُ الْمُبتداء ، قَوْلُهُ (أَصْحابُ ...).
(٣) تفسير السمرقندي ١ / ١٤٣ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٤٢.