__________________
يمنعوه ممّن أرادواقتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم ، فمنهم من فعله حمية ، ومنهم من فعله إيمانا ويقينا ، فلمّا عرفت قريش أنّ القوم قد منعوا رسول الله وأجمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتّى يسلموا رسول الله للقتل ، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً ومواثيق لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا يأخذهم بهم رأفة حتّى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين ، واشتدّ عليهم البلاء والجهد ، وقطعوا عنهم الأسواق ، فلا يتركوا لهم طعاماً يقدم مكّة ولا بيعاً إلاّ بادروهم إليه فاشتروه؛ يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله فكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمررسول الله فاضطجع على فراشه؛ حتّى يرى ذلك من أراد به مكراً واغتيالاً له فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوته أو بني عمّه فاضطجعوا على فراش رسول الله وأمررسول الله أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه.
فلمّا كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبدمناف ، ومن قصي ، ورجال من سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم ، ورأوا أنّهم قد قطعوا الرحمواستخفّوا بالحقّ ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه ، وبعث الله على صحيفتهم الأُرضة؛ فلحست كلّما كان فيها من عهد وميثاق.
ويقال : كانت معلّقة في سقف البيت ، فلم تترك اسما لله فيها إلاّ لحسته وبقي ما كان فيها من شرك وظلم وقطيعة رحم ، وأطلع الله عزّ وجلّ رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكرذلك رسول الله لأبي طالب ، فقال أبو طالب : لا والثواقب ، ما كذبني فانطلق يمشي بعصابته من بني عبدالمطّلب حتّى أتى المسجد وهو حافل من قريش ، فلمّا رأوهم عامدين لجماعتهم أنكروا ذلك وظنّوا أنّهم خرجوا من شدّة البلاء فأتوهم ليعطوهم رسول الله.
فتكلّم أبو طالب فقال : قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم ، فأتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح ـ وإنّما قال ذلك خشية أن