وقدكان قام بأمر رسول الله من السنة الثامنة من مولده إلى هذه السنة وهي العاشرة من النبوّة مدّة اثنتين وأربعين سنة»(١).
وقال ابن سعد : «حدّثني الواقدي بإسناده عن عليٍّ عليهالسلام قال : لمّا توفّي أبوطالب أخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكى بكاءً شديداً ، ثمّ قال : اذهب فغسّله وكفّنه وواره غفر الله له ورحمه ، فقال له العبّاس : أترجو له؟! فقال : أي والله إنّي لأرجو له ، وأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيّاماً في بيته لا يخرج ، واستغفر له أيّاماً»(٢).
أقول : في هذا الحديث دلالة صريحة على إيمانه ، فإنّ الله تعالى يقول : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى)(٣) فلو لم يكن مؤمناً لما جاز من الرسول أن يستغفر له ويدعو له بالرحمة ، لقول بعض العامّة : إنّها نزلت في أبي طالب(٤) فذلك افتراء
__________________
(١) تذكرة الخواصّ : ٨.
(٢) تذكرة الخواصّ : ٨ ، الطبقات الكبرى ١/١٢٣ ، السيرة الحلبية ٢/٤٧.
(٣) سورة التوبة ٩ : ١١٣.
(٤) الإتقان ١/٩٧ ـ ٩٨ ، تفسير البيضاوي ٣/١٧٥ ـ ١٧٦ ، تفسير الصنعاني ٢/٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، تفسير الثعالبي ٢/١٥٩ ـ ١٦٠ ، تفسير أبي السعود ٤/١٠٧ ، تفسير البغوي ٢/٣٣٠ ، زاد المسير ٣/٥٠٧.
وجاء نصّ الرواية التي استند عليها عن سعيد المسيّب قال : «لمّا حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال : أي عم قل لا إله إلاالله أحاجّ لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبدالله : يا أبا طالب ، أترغب عن ملّة عبدالمطّلب فلم يزالا يكلّمانه حتّى قال : هو على ملّة عبدالمطلب فقال النبيّ : لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)» ، انظر المصادر المتقدّمة الذكر.