لي المصطفى (صلى الله عليه وآله) : هاتة فأخذ شظية من اللحم فشظاها بأسنانه وجعلها في الجفنة (١) قال : وأعددت لهم عسّاً(٢) من لبن ومضيت إلى القوم فأعلمتهم أنّه قددعاهم إلى طعام وشراب ، فدخلوا فأكلوا ولم يستتمّوا نصف الطعام حتّى تضلّعوا ، وقال : ولعهدي بالواحد منهم يأكل الجزور وحده ويشرب مثل ذلك اللبن وما بلغوا نصف العشر.
قال : ثمّ قام النبيّ (صلى الله عليه وآله)فكلّما أراد أن يتكلّم اعترض عليه أبو لهب ، وقال : ألهذا دعوتنا ، ثمّ أتبع كلمة بكلمة ، ثمّ قال : قوموا فأنصرف الناس كلّهم.
فلمّا كان من الغد قال (صلى الله عليه وآله) : يا عليّ ، أصلح لي مثل ذلك الطعاموالشراب ، فأصلحته ومضيت إليهم برسالة فأقبلوا فلمّا أكلوا وشربوا ، قام رسول الله (صلى الله عليه وآله)ليتكلّم فاعترض أبو لهب ، فقال له أبو طالب : اسكت يا أعور ، ماأنت وهذا؟! قال : ثمّ قال أبو طالب : لايقومنّ أحد ، فجلسوا ، ثمّ قال : قم ياسيّدي فتكلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّك فإنّك الصادق المصدّق ، فقام (صلى الله عليه وآله) وقال : أرأيتم لو قلت لكم أنّ وراء هذا الجبل جيشاً يريد أن يغير عليكم أكنتم تصدّقوني؟ فقالوا : نعم ، إنّك لأنت الأمين الصادق المصدّق ، فقال لهم : فوحّدوا الجبّار واعبدوه وحده بالإخلاص ، واخلعوا هذه الأنداد والأنجاس ، وأقرّوا واشهدوا بأنّي رسول الله إليكم وإلى الخلق ، فإنّي قد جئتكم بعزّ الدنيا والآخرة.
فقاموا وانصرفوا كلّهم قال : وكان الموعظة قد عملت فيهم» هذا آخر
__________________
(١) الجفنة : الآنية التي يوضع فيها الطعام وتصنع من الخشب. لسان العرب ٢/٢٦١.
(٢) القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة ، والعدة والرفد أكبر منه ، والجمع : عساس ، وعسسةوالعسس : الآنية الكبار. لسان العرب ٦/١٣٩.