فخرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ورهطه من الشعب ، وخالطوا الناس ، ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة بعد ذلك بشهرين(١) ، وورد على رسول الله أمران عظيمان وجزع جزعاً شديداً انتهى»(٢).
أقول : ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يسمّي ذلك العام عام الحزن(٣).
ولنختم الكلام هنا بنكتة ، وهي ممّا سنح لخاطر المولى المكرّم حرس الله مجده وكبت ضدّه وهي :
إنّ من المعلوم لكلّ عاقل أنّ الإنسان حريص على مذهبه ضنين على دينه ، حتّى إنّه يؤثره على ماله وولده ، بل على نفسه كما هو المشاهد من أهل الأديان في جميع الأعصار من تكذيبهم الأنبياء وعدم التفاتهم إلى معاجزهم الواضحة ، مع تخويفهم إيّاهم بنزول العذاب وحلول العقاب ، وعلمهم بما نزل بالأمم السابقة والقرون السالفة ، كلّ ذلك حرصاً على دينهم.
وقد كانت قريش شديدة التعصّب في دينها ، عظيمة التصلّب فيه كثيرة الذبّ عنه ، حتّى إنّهم احتالوا على إبطال أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكلّ حيلةوتوسّلوا إليه بكلّ وسيلة ، حتّى آل أمرهم إلى القتال ، وسفك الدماء ،
__________________
(١) اختلف المؤرّخون في ذلك ، فبعض من قال : توفّيت خديجة عليهالسلام بعد أبي طالب عليهالسلامبثلاثة أيّام ، أو خمسة أيّام ، أو شهر ، أو شهر وخمسة أيّام. انظر : الكامل في التاريخ ١/٦٠٦ ، الطبقات الكبرى ١/١٢٥ ، المنتظم ١/١٠٥ ، إعلام الورى : ١٠ ، بحارالأنوار ١٩/٢٥ ، مسائل ابن حنبل ١/١٩.
(٢) قصص الأنبياء للراوندي : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، إعلام الورى : ٥١ ـ ٥٢ ، تاريخ الطبري ١/٥٥٢ ـ ٥٥٣ ، البداية والنهاية ٣/٩٦ ـ ٩٧ ، حلية الأبرار ١٨٥ ـ ٨٦.
(٣) السيرة الحلبية ٢/٤١ ، التحفة اللطيفة ١/١٢ ، لسان العرب ١٣/١١٢ ، كشف الغمّة ١/١٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ١/١٧٤.