وقطيعة الأرحام ؛ كلّ ذلك ذبّهم عن دينهم وحرصاً عليه.
ولا شكّ أنّ أبا طالب كان من أعاظمهم ورؤسائهم والأمور الكلّية ممّايمتعض لها أكابر الناس فوق أصاغرهم ، فلو لم يكن مصدّقاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)فيما جاء به معتقداً حقيقته لكان من أشدّ المتألّبين عليه ، المعارضين له فيما أتى به ، وبعد التنزّل فلا أقلّ من أن ينهاه عن ذلك ، ويبيّن له فساد الرأي فيما ارتكبه ، ويشير عليه بتركه ، والكفّ عنه ، كما هوشأن من يرى من يحبّه على أمر لا يرتضيه ، فإنّه يكره له ذلك ويأمره بتركه والإقلاع عنه ويمنع من ارتكابه.
ألا ترى أنّ الوالد إذا رأى ولده على حالة لا يرتضيها فإنّه يزجره عنها ، ويبيّن له فسادها ، ويبذل جهده في نصحه ، ومنعه وتقبيح ما أتى به ، وخصوصاً إذا كان ذلك في أمر الدين ، فإنّه ربّما يرضى بقتل ولده إذا أتاه على خلاف دينه ، وذلك ممّا لا ينازع فيه أحد ولم ينقل عن أحد من المخالف والمؤالف عن أبي طالب مثل ذلك ولا ما يقرب ، بل المسلمون مجمعون على أنّه كان مقوّياً لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، باذلاً جهده ومهجته في نصرته وإعلاء كلمته ، يذبّ عنه بيده ولسانه ، ويأمره بإظهار نبوّته ، وإفشاء رسالته ، ويأمر أولاده باتباعه كما نقلنا في شعره ونثره.
ومن المعلوم أنّ الإنسان لا يحبّ لولده إلاّ ما حبّ لنفسه ، وهذا واضح الدلائل على إيمانه وتصديقه ، وهو شاف لمن نظر فيه بعين الإنصاف ، كاف لمن تجنّب عن طريق الجور والاعتساف ، ولقد أحسن ابن أبي الحديد في قوله(١) :
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٤/٨٤.