نقل المعاني بل وبألفاظها وبحروفها ، فلا يوجد أدنى ريب في التصديق القطعي بالصدور ؛ فإنّ حالات النقل بالمعنى من جملة الآفات التي تزعزع الثقة بجملة من الأحاديث المنقولة ، كما لا يخفى ذلك على الخبير.
٤ ـ إنّ حالة صدور النصّ من النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت حالة نادرة ولا نظير لها من ناحية التأنّي في الإلقاء ممّا يؤثّر على مستوى الضبط ودرجة الدقّة في عملية التدوين ؛ وذلك لأنّ صدور النصّ لم يكن بصورة الخطاب الاعتيادي المتعارف ، بل كان بصورة الإملاء الخاص والإلقاء البطيء المتناسب سرعة ووضوحاً مع حالة الكتابة والتدوين ، والتي تقتضي عادة إعطاءالكاتب الوقت الكافي لتدوين ما يُقال له وما يُملى عليه.
وهذه ميزة مهمّة تعتبر من موجِبات الثقة العالية بهذا النمط من الأحاديث سواء من ناحية صدور المضمون ومن ناحية كون انحفاظ الألفاظ بأعيانها إلى الحدّ الذي يسدّ الباب أمام احتمالات التغيير أو طرو التصحيف على النصّ المنقول.
٥ ـ إنّ هذه الأحاديث إمّا أن تكون قضايا ومسائل مطروحة من قِبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ابتداءً ـ كما هو الظاهر ـ وإمّا أن تكون أجوبة لأسئلة مقدّمة مِن قِبل الإمام عليّ عليهالسلام نفسه ، وهذا ما يوفّر أمامنا فرصة تحصيل الوثوق المستحكم بالمضامين المذكورة في تلك الأحاديث ؛ وذلك لعدم احتمال وجود قرينة في ذهن السائل قد تغيّر من مسار فهم الجواب ، وهو في غاية الوضوح بناءً على كونها أحاديث مبتَدأة بادر النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى طرحها ، وأمّا بناءً على كونها أسئلة فإنّ صاحب السؤال هو نفسه كاتب الحديث ومدوّنه ، فلا يحتمل بشأنه غفلته وعدم التفاته لما يدور في ذهنه وما هو مقصود في السؤال وما هوالملحوظ في الجواب المترتّب عليه.