لأنّ المسبّب بوجود السبب يصير في حكم الواقع وفي حدّ ما لا يقدر عليه مما مضى وقته ، ولذلك لا يصحّ منه أن يفعله ويتركه وقد وجد السبب ، وإذا صحّ ذلك وجب أن يكون القادر يراعى كونه قادرا عليه بسببه (ق ، غ ٩ ، ٧١ ، ٨)
ـ قد قال الشيخان رحمهماالله في غير موضع إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ أن يفعله ويصحّ ألّا يفعله ، وأن ذلك يستمرّ في كل قادر وكل مقدور ، فأمّا أن يجعل حدّ القادر ما يصحّ أن يتركه بدلا من أن يفعله فذلك مما لا يصحّ ، وأوضح ذلك شيخنا أبو هاشم رحمهالله بأن قال : كونه قادرا على الشيء لا يتعلّق بغيره من ترك وضدّ ، بل يجب أن يكون له حكم معه ولا ضدّ له كما يكون له معه الحكم وله ضدّ ، وذلك الحكم ما قدّمناه من أنه يصحّ أن يفعله وألّا يفعله مع السلامة (ق ، غ ٩ ، ٧٣ ، ٩)
ـ إنّ الذي يجب في القادر أن يصحّ منه إيجاد مقدوره ويصحّ منه الانصراف عنه ، وأن لا يوجده على الوجه الذي يصحّ منه ، فمتى كان المقدور مما يوجده ابتداء صحّ أن لا يفعله من غير تعلّق بغيره ، ومتى كان مما يفعل بواسطة صحّ أن لا يفعله بأن لا يفعل ما يتعلّق وجوده بوجوده ، لأنّه إذا اختلف حاله في إيجاد مقدوره فمنه ما يوجده بنفسه ومنه ما يوجده بواسطة ، فكذلك في أن لا يوجده (ق ، غ ٩ ، ٧٨ ، ٥)
ـ فإن قيل : إن كان المسبّب يقع منه لكونه قادرا عليه فقولكم إنّ السبب يوجبه لا يصحّ ، وإن صحّ ذلك بطل القول بأنّه يوجد منه لكونه قادرا عليه ، قيل له : لا تناقض بين هذين القولين ؛ لأنّ الغرض بقولنا إنه يوجد من جهة القادر أنّه تراعى في صحّة وجوده أحواله وأنّه يقع بحسبها كالمباشر ، ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يجب أن يقع بحسب قدره ودواعيه وعلومه وقصوده ، وأن يؤثّر العجز والسهو في وجوده أو وجوده على وجه ، والغرض بقولنا إنّ السبب يوجبه أنّ الفاعل بعد إيجاده السبب لا يحتاج إلى أن يبتدئه كحاجته في المباشر ، بل يحصل في حكم الفاعل له بإيجاد السبب ، وإن لم يتناقض القولان وجب سقوط ما سأل عنه (ق ، غ ٩ ، ٧٩ ، ١١)
ـ إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه فعله على الوجه الذي قدر عليه على بعض الوجوه ، فإذا تعذّر ذلك فيهما ابتداء وجب كونهما مقدورين لنا على جهة التوليد. ولا فرق بين من قال إنّه يصحّ أن يفعلهما على جهة الابتداء وإن تعذّر إيجادهما إلّا مع اعتماد يقع بحسبه ، وبين من قال فيما يفعله في غير محلّ القدرة من الأكوان وغيرها أنّ ذلك مبتدأ وإن استحال منّا إيجاده إلّا مع غيره ، وفي هذا فساد طريق معرفة الفصل بين المتولّد والمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٧ ، ١٢)
ـ دللنا في صدر باب العدل على أنّه تعالى قادر على ما لو وقع لكان قبيحا ، وإن علم أنّه لا يختاره ، وأنّه قادر على إقامة القيامة الآن ، وإن كان المعلوم أنّه لا يقع ولا يختاره. وقد بيّنا أن أصل الكلام في إثبات تعلّق الفعل بالفاعل يقتضي ما قلناه ، لأنّه إذا وجب وقوعه (بحسب وانتفاؤه بحسب دواعيه وكراهته) فيجب أن يكون قادرا على ما يصحّ أن يقع بأن يختاره على ما لا يقع بل يختار تركه (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ١٩)
ـ قد بيّنا في باب البدل أنّ العالم بأن الشيء يكون لا يوجب كونه ، ولا علمه بأن الشيء لا يكون لا يحيل كونه. وبيّنا أنّ العلم يتعلّق