وهذا الأخير أكثر من النقل عنه بعبارات مختلفة.
هؤلاء هم أهمّ شيوخه الذين أخذ عنهم العلم من علماء اللّغة والنّحو ، وهم من مشاهير نحاة زمانهم ، أخبارهم مستفيضة ، وذكرهم منتشر واسع ، ولا حاجة تدعو إلى التّعريف بهم ، ويظهر لى أنّ ابن خالويه كان محبّا فى الإكثار من الشّيوخ كثير المباهاة بهم ، حريصا على ذكر وجوه الإفادة منهم ، والرّواية عنهم ، والإسناد إليهم ، والإنشاد لهم ، والاطلاع بهذا كلّه إلى درجة يزاحم بها مشاهير نحاة عصره : ليتسنّم ذروة المجد أمام الفارسيّ ، وابن جنى ، وأبي الطيب اللّغوي ، وأبى الحسن الرّمانى وأضرابهم ، ويضرب بسهم فى منازلتهم فى السّاحات العلميّة ، والمجالس الأدبيّة والنّقدية ، سواء ما كان على بساط سيف الدّولة ، أو فى ميدان آخر من ميادين التنافس العلمى (١).
ومن جانب آخر فابن خالويه إنّما يستكثر من ذكر شيوخه بأسمائهم اقتداء بشيوخه من أهل الرّواية. وهؤلاء إنما يستكثرون من الشّيوخ لعلوّ الإسناد. فاقتدى بهم المؤلف ـ وإن لم يكن هناك سند فى الغالب ـ. قال (٢) : «لأنّا نحن متبّعون لشيوخنا لا مبتدعون».
ويبدو أنّ غربته عن وطنه سواء فى العراق أو الشّام ، ثم صلاته الإجتماعية بعد ذلك هيآ له الحرص على الطلب ، والدّأب على حضور مجالس العلم ، مع ما تمتع به من الذّكاء واللّياقة واللّباقة والحنكة ، والدّربة على مسآءلة الشيوخ وللإفادة منهم ، وتقييد الفوائد عنهم ، وهذا ما يلحظه القارىء لمؤلفاته وخاصّة ما ينقله من وقت إلى آخر من الطّرائف والنّكات التى يتورع كثير من العلماء عن نقلها ؛ ليضفى على
__________________
(١) له فى ذلك قصص وحكايات يطول الحديث بذكرها.
(٢) إعراب القراءات : ٢ / ١٩٠.