الحسين عليهالسلام كان لديه مثل هذا العرض ، وفعلاً فقد انتشر مثل هذا الخبر بين الناس وإنّ نصّ قول عقبة بن سمعان يؤكّد على ذلك بقوله : «ما يتذاكر الناسوما يزعمون» وفيه دلالة واضحة على انتشار هذا الخبر بين الناس وهم يتحدّثون به في مجالسهم ، وربّما أشيع لتخفيف نقمة الناس أو إيقاع اللّوم على الكوفة وواليها في عدم قبوله مثل هذا العرض بزعمهم ، وقد انطلت هذه الإشاعات على بعض المؤرّخين فأوردها بدون أن يعلّق عليها فقد نقلها السيوطي (ت٩١١ هـ) في تاريخه فقال : «فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله ، فلمّا رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع والمضيّ إلى يزيد فيضع يده في يده ، فأبوا إلاّ قتله»(١).
إنّ هذا النصّ الذي تداوله عدّة من المؤرّخين يكذّبه واقع الشخصية التي لا يمكن أن تقبل مثل هذا المصير ، هذا وإنّ العقل ينكر مثل هذا لغير الإمام الحسين عليهالسلام فكيف بالإمام نفسه ، وثمّةَ وجود نصّ آخر يصف صبر وجلادة الإمام الحسين عليهالسلام وهو وصف من أحد جنود جيش عمر بن سعد بقوله : «فوالله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاًولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدَماً منه»(٢) ، وهذا النصّ يصف صبر وجلدومقدم الإمام الحسين عليهالسلام ، فلا يمكن لمثل هذه الصفات أن يحملها إلاّ الرجل الشجاع المتيقّن من إقدامه ، وإنّ وصيّته لأخته قبل شهادته وهو يقول مردّداً : «يا أختي اتّقي الله فإنّ الموت نازل لا محالة» خير دليل على ذلك(٣).
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ٢٠٧.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٥٢.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٠.