أمّا الرواية الخامسة التي تتسم بطولها فقد نقلها الطبري بتمامها عن أبي مخنف حدّثه عبد الله بن عاصم قال : «حدّثني الضحّاك المشرقي قال : ... الخ»(١) ، الرواية تتكلّم عن أهمّ يوم شهدته البشرية على مدى تاريخها الطويل ، وفي أعظم تضحية قدمها الإمام الحسين عليهالسلام من أجل مبادئ العدل والمساواة لرسالة سماوية حرصت على إقامة الحكم الإسلامي العادل ، ففي الرواية وصف لصبيحة اليوم العاشر وفي أثناء إضرام النار في الخندق الذي مرّذكره وإذا بشخص حاول الهجوم على البيوت إلاّ أنّ النار كانت عائقاً من الوصول إلى هدفه ، وفيها أنّ شمراً بن ذي الجوشن قد تكلّم بكلام ضدّ الإمام الحسين عليهالسلام ، وحاول مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم وهو قادر على قتله وطلب ذلك من الإمام الحسين عليهالسلام بقوله : «يا بن رسول الله جعلت فداك! ألا أرميه بسهم فإنّه قد أمكنني وليس يسقط منّي سهم»(٢) ، ولكنّ الإمام الحسين عليهالسلام منعه بقوله : «لا ترمه ، فإنّي أكره أن أبدأهم»(٣) ، وهذه هي المرّة الثانية التي رفض فيها الإمام الحسين عليهالسلام أن يبدأهم بالقتال بالرغم من أنّ الحرب لابدّ وأن تقوم إلاّ أنّه رفض أن تكون البداية من طرفه ، وهذا الموقف النبيل يعبّر عن أهداف الإسلام الحقّة بل عن النظرية الإسلامية بالتطبيق العملي قولاً وفعلاً وتقريراً ، وهذه المواقف تحتاج من الباحث التأمّل والنظر في هذه الأهداف السامية التي لا تقاوم مع الغدر والمكر والاحتيال من الجانب الآخر.
لقد ورد في هذه الرواية المهمّة خطبة للإمام كانت بليغة نقلها لنا
__________________
(١) المصدر السابق ٥ / ٤٢٣.
(٢) المصدر السابق ٥ / ٤٢٤.
(٣) المصدر السابق ٥ / ٤٢٤.