مرتبة الشئون الذاتية الغيبية ، ولا اسم ولا رسم ، ولا نعت ولا وصف فوقها.
وبعبارة أخرى : فوق مرتبة الإنسان الخاص ، وهي مرتبة الولاية ، وفوقها مرتبة الإنسان الأخص ، وهي مرتبة النبوة ، وفوقها مرتبة الإنسان الذي هو أخص الأخص ، وهي مرتبة الرسالة ، وفيما بعد المرتبة الأولى يظهر الإنسان في صورة الحق بالفعل ، فهو إذا حق خلق.
وأما في المرتبة الأولى فهو وإن كان ظاهرا في صورة الحق ، لكن بالقوة لوجود الحجاب والجهل والغفلة ، كشف الله من بصائرنا ذلك الحجاب آمين.
قال تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ٢].
: أي الإنسان الذي هو القرآن الفعلي ، المشتمل على حروف الشئون ، وكلمات الأرواح ، وآيات المثال ، وسور الأجسام ، كما قال تعالى :
(وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) [الطور : ١ ، ٢] ، فإنه إشارة إلى الوجود الحق ، المسطور آثاره في التعينات كلها.
(لا رَيْبَ فِيهِ :) أي في كونه كتابا مسطورا ، وقرآنا فعليّا ، وتنزيلا تكوينيّا عند أهل الفهم عن الله تعالى دون غيرهم ، ولذا وقع الغافلون في الجدل والإنكار ، ولم يزل الأمر على هذا إلى آخر الزمان ، وسيجيء زمان يقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، مكذبين منكرين ، وما ينفعهم القسم الكاذب إذ ذاك ، والله الصادق.
قال الله سبحانه وتعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦].
يعني : إن ضرب المثل بالبعوضة حق موافق للحقيقة ، وإنما يعلمه المؤمنون الكاملون الذين وصلوا إلى مرتبة شهود الحقائق.
وأمّا الكافرون الساترون وجود الحق بوجود الخلق ، فيستعظمون ذلك بناء على جهلهم بالحقائق.
ولذا كان ضرب المثل هداية للمؤمنين إلى معرفة الحقائق في مراتبها ، وشهود الحق في مرائيه ، وضلالة للكافرين حيث زاغوا عن طريق المعرفة ، وانحرفوا عن الاستقامة ، وذلك أن البعوضة بعض من أجزاء العالم ، وكل أجزاء الآفاقي أجزاء