قال تعالى : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤].
إشارة إلى القوى النفسانية والطبيعية العاصية ، كما دلّ عليه قول الله تعالى : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) [طه : ٩٠] : أي بعبادة عجل الطبيعة الذي اتخذه سامري الهوى ، مع أنه لا بد من ذبحه.
كما قال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] ؛ وهي أمانات الأمر والنهي ، وأهلها القلب والقوى الروحانية ، وبوصولها إليها والحركة بالعمل بمقتضياتها ؛ ينكسر سورة النفس والطبيعة ، وتموت القوى الفاسدة الحاملة لموت القلب ، وحياة النفس.
وعليه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة : ٦٧] ؛ فهذه البقرة باقية في العالم مادام الجهاد باقيا ماضيا إلى يوم القيامة ، فمن أهلّ النفس أبقاها ، ومن أهلّ القلب ذبحها ، فإنه القوي المتين.
وفيه إشارة إلى أن ما سوى الله تعالى كله فتنة للإنسان ؛ ومنه وجوده وما يتبعه سوى سرّ سرّه الذي هو مظهر الوجود والإطلاق الغيبي كما ورد : «سرّ الإنسان سرّي ، وسرّي سرّه» : أي سرّه ظاهر سرّي ، وسرّي باطن سرّه ، فافهم جدا (١).
قال الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة : ٦٧].
وقال تعالى : (لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩].
أمر الله تعالى في الآية الأولى من طريق الإشارة بذبح بقرة الطبيعة والنفس ؛ لأنهما واحدة في الحقيقة ، ومختلفتان ببعض الخصائص ؛ حيث إن الطبيعة محلّ الشهوة الجسمانية ، واللّذّة النفسانية ، والنفس محلّ الهوى ، والميل إلى ما سوى المولى ، ونهى في الآية الثانية عن قتل الأنفس ، والتوفيق بينهما هو أن المراد بالأنفس في الآية الثانية ؛ هو الأرواح ، ومعنى قتلها المباشر بأسباب تؤدي إلى مفارقتها عن الأبدان ، واضمحلال آثارها عنها بالكلية وهو المراد بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء : ٣٥] ، [العنكبوت : ٥٧] : أي مفارقة لبدنها بانقطاع عن ظاهره ، وباطنه ، والمراد بالنفس في إشارة الآية الأولى ؛ هي القوة المخصوصة الباعثة على الهوى ، والانقياد إلى الطاغوت
__________________
(١) الحديث كشفي ، وقال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : السر هو ما يخفى في البيان ، وحقيقته : معنى يعجز عن تصور ما هو الفكر البشري ، وغايته : وجدان يقوم بالقلب لا يمكن التعبير عنه بوجه من الوجوه.