كما قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣] ، فالهوى له مطاع بالنسبة إلى أهل الهوى.
ومعنى ذبحها : إزالة شهوات الطبيعة في مرتبة الشريعة ، وقطع بلعوم الهوى في مرتبة الطريقة ، فظهر من هذا أن الذي يليق بالذبح والقتل ؛ هو قوة الطبيعة والنفس دون الروح ، فإنه من نفخ الله تعالى.
ولا شك أنه حيّ بذاته أبدا ، وكذا محيي لغيره ، وما له حياة ذاتية لا يموت ، ولا يفنى ، ولا يعذّب ، فإن العذاب هو الروح الحيواني الذي هو مبدأ الحركة والحس وهو الذائق لألم الموت ، وعليه يدور سكراته ، وكذا جميع الأوجاع المتعلّقة بالبدن في الدنيا ، وكذا هو العاصي حتى إن الله تعالى نزع الروح المحمّدي عن آدم عليهالسلام حينما عصى ، وذلك أن لكل شخص خصّة من ذلك النور رشّت عليه حينما خلقه الله ، فمن أطاع الله والرسول ؛ فقد حفظه ، ومن عصاه ، وخالف الرسول ، فقد أضاعه ، وبقى في ظلمة الروح الحيواني ، والظلمة لا تجيء منها إلا الظلمة.
والحاصل أن الروح وإن كان حيّا بحياة ذاتية ليس عندها موت من قبل الطبيعة والنفس ، لكن لا يظهر ذلك إلا بعد إماتة الطبيعة والنفس ، فمن أحياه بقتلهما ؛ فكأنما أحيى الناس جميعا ، وهي الحواس الظاهرة في بدن الإنسان ، ومن قتله بإحيائهما ؛ فكأنما قتل الناس جميعا.
وذلك أن الأمر الوجود يدور عليه ، فإذا كان حيّا موجودا كان الوجود كله حيّا موجودا ، وإذا كان ميتا مفقودا ؛ كان الوجود كله كذلك.
فإن قلت : قولهم إفناء الروح يدل على أنه حي لا بد من إماتته.
قلت : المراد ما بذله في طريق الحق بكل ما يمكن من الحركات.
وأمّا قطع التعلّق به فإنه حجاب نوراني ، ونوره أقل ، إذ هو كالشمس في إنارة عام الوجود ، ولكن الشمس والقمر ينخسفان يوم القيامة ، وتكون الجنة منوّرة بنور ذاته الإلهي ، لا يغرب أبدا ، وهو نور السرّ في الدنيا بالنسبة إلى أهل التجلّي من الكمّل ، فإنه غير غارب ، وهذا المقام يقتضي زيادة البسط لكن اكتفينا بهذا المقدار لما يقتضيه الوقت والحال ، فعليك بقتل نفسك ، فإن فيه حياتك ، ولك أجر عليه عظيم.
وقال الله عزوجل : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ١٠٥].