هذه الرحمة الاختصاصية غير الرحمة الوجوبية التي كتبها على نفسه بمقابلة عمل عبده ، فإن الرحمة الاختصاصية ؛ إنما هي من عين المنّة والفضل ؛ وهو الإحسان الابتدائي الغير الموقوف على شيء من الأشياء ، وعلى سبب من الأسباب ، وعلى علّة من العلل ، وإن كانت المنح الإلهية ، والأعطية الرحمانية كلها من باب المنّة بالنسبة إلى من وصل إلى العين ، ودخل من الباب ، ولم يقف في البين ، ولم يكن له نسبة كون ، ولا أين ؛ فله تعالى رحمة وجوبية يرحم بها عباده بإعطاء الدرجات بمقابلة أعمالهم.
وله تعالى رحمة امتنانية يرحم بها عباده ؛ بإعطائهم درجات أخرى لا بمقابلة أعمالهم ؛ بل من عين المنّة والفضل ، ويتصل بها رحمة التوريث في الجنة ، فإنه تعالى يرحم بها عباده المؤمنين ؛ بإعطائهم مقامات الكفار على تقدير إيمانهم وطاعتهم ، فلهم جنات ثلث ؛ جنة العمل ، وجنة الميراث ، وجنة الاختصاص (١).
لطيفة : ومن هنا ورد الخطاب الإلهي لهذا الفقير في سحر ليلة السبت الحادي عشر من شهر مولد النبي صلىاللهعليهوسلم من سنة ثلاثين ومائة وألف ، وأنا في الشام حيث قال لي من غير واسطة بيني وبينه من الوجه الخاص بهذه العبارة : «ولي مراتب أخرى بحسب كرمي» (٢).
يعني : كما أن للعبد مراتب بحسب استعداده ، وسؤاله ، وعمله ؛ وهي المراتب الكونية ؛ فكذا لله تعالى مراتب بحسب إفاضته الاستعداد ، وجوده ، وكرمه ؛ وهي المراتب الإلهية.
فجوده : عطاؤه قبل السؤال ؛ وهو الفيض الامتناني الرحماني.
__________________
(١) والرحمة : هي صفة الله التي يتعطف بها على عبيده ؛ فيبلغهم خيره ونعمته ، فيبدل الألم باللذة ، ويصل اللذة بمثلها ، وقد نقول : الرحمة : هي ترك الرحيم حقه للمرحوم ، وإعطاؤه من الخير ما لا يجب له عليه ، وقد نقول : الرحمة : هي إفادة الرحيم للمرحوم خيرا لا يستحقه عنده حيث هو ، وقد نقول : الرحمة : هي إفادة الحق للعبد وجودا ليس له ، والرضوان هنا بحسب هذا التقييد : هو صفة الخير الذاتي الموجود في ذات الله تعالى ، مثل الشيء المطبوع الذي لا يمكن أن يكون الشيء إلا على تلك الصفة ، وهو الذي يوجب الرحمة بوجه محتوم لا يمكن أن يعقل المحل المشار إليه إلا كذلك.
(٢) حديث كشفي.