كرمه : عطاؤه بعد السؤال عن طيب نفس لا عن حياء إلا عن تخلّق إلهي ، وطلب مقام رباني ، وهو الفيض الرحماني.
وهيبته : وعطاؤه ، لينعم خاصته : أي لينعم المعطي له ، ويعيش طيّبا لا لأمر آخر : أي لا يقترن معه طلب جزاء ، وتكليف عوض من شكر باللسان ، وعمل بالجنان ، والاركان ، ووجوب شكر المنعم ؛ إنما هو لأجل العبودية المعطى له ، لا لتكليف الواهب ؛ فهو من العبد عمله لحق الربوبية ، لا للجزاء.
والعطاء ، هو هبة الأصل ، والمنح ، هو هبة المنفعة ، والمنح ، هو التمليك فقط ، والعطاء يعمّه ، والإباحة.
ثم قوله تعالى : (بحسب كرمي) : إشارة إلى أن المنّة قد تكون بسؤال لسان الاستعداد الكلّي المفاض من الحق تعالى بحسب الفيض الأقدس ، ولسان الاستعداد الجزئي المفاض منه تعالى بحسب الفيض المقدّس.
فإنه تعالى يقول : «يا عبدي قد حصل لك مراتب عملك ، ودرجات سعيك ، وبقيت مراتب جودي ، ودرجات كرمي» (١) ؛ التي هي عين المنّة والفضل ، فإن الألوهية مما تقتضيه جدا.
ألا ترى أن السلطان قد يجود على جنوده ، ويعطي لهم عطايا لا بمقابلة أعمالهم من الحرب مع الأعداء ونحوه ؛ بل من عين المنّة ، فلهم عطيّتان ؛ عطية هي أجرهم بمقابلة أعمالهم ، وعطية هي من باب الفضل.
ولا شك أن الخلق الإنساني الامتناني مأخوذ من الخلق الرحماني الامتناني ، فالله تعالى أولى بالامتنان من عبده ، فليكن العبد على التسليم ، والرضا ، والله خير وأبقى ، وإليه المنتهى ، وما ربك بظلّام للعبيد ؛ بل هو المحسن المتفضل ، ذو العرش المجيد.
في سورة البقرة : قال الله سبحانه : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٩].
أراد بحيث الأماكن المختلفة الصورية شرقا وغربا ، جنوبا وشمالا ، فكما إذا
__________________
(١) لم أقف عليه.