فحق النعيم إنما هو لذي الظل ، الا فذوقوا من هذا المذاق حتى لا تجدوا الحسرة يوم التلاقي ، والله الخلّاق والرزّاق.
وقال الله سبحانه : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٠٩].
اعلم أن الزّلل ؛ إمّا زلل في الشريعة ، وإمّا زلل في الطريقة.
__________________
ـ المتحصّل من اجتماع الأجزاء التي منها تركّب ذلك المزاج كان ما كان ، فتقتضي تلك الهيئة ظهور النفس في الصورة المتحصلة من تلك الهيئة ، وذلك الاجتماع ، وصفة الصورة بحسب نسبة الصفة الغالبة على الإنسان حين مفارقة هذه النشأة.
فيظهر بعضهم في البرزخ ؛ بل وبرهة من زمان الحشر في صورة أسد وذيخ وطير ؛ كما ورد في الشرّ ، وشهد بصحته الكشف والتعريف الإلهي ، وليس بالمسخ والتناسخ المستنكر ، فإن القائلين بذلك زاعمون أنه في الدنيا ، وهذا إنما هو في البرازخ بعد الموت ، فافهم.
ومن غلبت عليه الأحكام الروحانية وإفراط إعراضه عن هذه الدار وهذه النشأة ؛ كالشهداء المقبلين في سبيل الله للجهاد بطيب قلب ، وصحة إيمان ؛ تظهر نفوسهم في صور طيور روحانية ؛ كما أخبر صلىاللهعليهوسلم : «إنّ أرواح الشّهداء في حواصل طير خضر تعلّق من ثمر الجنّة تأوي إلى قناديل تحت العرش».
وورد في المعنى في الحديث الصحيح :
إن في غزوة أحد قال بعض الصحابة لبعضهم معاتبا له : «أتقعد عن جنة عرضها السّماوات والأرض ، والله إني لأجد ريحها دون أحد».
وهذا من بكرة نور الإيمان ، وفرط استفراغ الهمّة حال التوجّه مع الإعراض التام عن هذه النشأة وهذه الدار ، واستشهد صاحب هذا القول يومه ذلك رضي الله عنه.
والمتوسطون من الأولياء المفرطين في الانقطاع عن الخلق والمجاهدات البدنية أيضا كذلك ، وأما الكمّل فإنهم لا ينحرفون إلى طرف من الوسائط ، بل يوفون كل مرتبة حقها ؛ فمنهم تامّون في عالم الطبيعة ، وتامّون في الحضرات الروحية ؛ كربّهم سبحانه الذي أعطى كلّ شيء خلقه ، فلا تغلب عليهم الطبيعة ولا الروحانية.
ومن سواهم ؛ إمّا : «مغلوب الروحانية ، مستهلك الطبيعة».
وإما : «مغلوب الطبيعة المستهلك قواه الروحانية في عرصة طبيعته» ؛ كما هو حال جمهور الناس.
و «الكمّل المقرّبون في حاق الوسط» ؛ برازخ بين الطبائع والأرواح ؛ بل بين المرتبة الإلهية والكونية ، فافهم. وأما الباقيان من النشآت : فأحدهما : «النشأة الحشرية».
وثانيهما : «النشأة الاستقرارية في إحدى الدارين».
وانظر : النفحات الإلهية (ص ٩٣) بتحقيقنا.