وكذا البينات : أي الشواهد والحجج.
فزلل الشريعة : وجود المنكرات والمعاصي ، فإن وقع ذلك من بعد ما جاء الأوامر والنواهي ؛ فإن الله ينتقم منه بالعذاب الجسماني الصوري ، إمّا في الدنيا ، وإمّا في الآخرة ، وإمّا في كلتيهما ؛ لأن ما وقع في الدنيا فإنما هو في مقدمات ما سيقع في الآخرة ، ومبادئها لا نتائجه وحقائقه.
وزلل الطريقة : وجود الكسل ، والفتور ، وعدم الرياضات والمجاهدات ، فإن وقع ذلك من بعد ما جاء الإشارات ، والدّلالات ؛ فإن الله ينتقم منه بالعذاب الروحاني هو الحسرة والحرقة الباطنة التي تفوق الاحتراق بالنار الصورية ؛ لأن الروح لطيف ، والجسم كثيف ، فقد لا يتحمّل اللطيف ما يتحمّله الكثيف.
ولذا اشتدّ الموت الطبيعي على الأنبياء والأولياء على تقدير بقائهم بالبشرية في تلك الحال ، فلا بد من الامتثال للأمر الإلهي على ألسنة أولي الأمر من العلماء ، والمشايخ ؛ حذرا عن الوقوع في ورطة الانتقام على أن القيام بالشرائع يورّث المعارف ؛ لأن من عمل بما علم ؛ ورّثه الله علم ما لم يعلم ، فمن تركه ؛ عوقب بالحرمان عن المعارف الإلهية التي هي الجنة المعنوية.
وإن القيام بالطرائق يورّث الحقائق ؛ لأن المجاهدات تورّث المشاهدات ، فمن لا شريعة له ؛ لا معرفة له ، ومن لا طريقة له ؛ لا حقيقة له ، فلكل منزل طريق ، ولكل طريق سالك ، فمن مشى على طريقه ؛ وصل إلى مراده بإعانة الله تعالى وتوفيقه ، فظهر أن الآية خطاب إلى كلا الفريقين عبارة وإشارة ، وقد يحصل إلهام من الله في أمر من الأمور بدل فعله ، أو تركه ، ويحصل له شواهد أيضا.
فذلك الإلهام يجب أن يعمل به ؛ لأنه إلهام ربّاني وإلقاء رحماني ، وإن لم يحصل له شواهد ؛ فذلك مما يترك ، ولا يعمل به ؛ لأنه خاطرة نفسانية ، ووسوسة شيطانية ، وعلى هذا أجرى أهل الله تعالى في كل عصر ، ومصر يعني : عملوا بما أمروا به ؛ إذ ليس للشيطان عليهم سبيل ، ولا للنفس الأمّارة عليهم استيلاء سواء كان المأمور به الهجرة من دار إلى دار ، أو غير ذلك من الأمور الشاقّة على غيرهم.
فإن غيرهم يلعبون بنفوسهم وطبائعهم ، فلهم الاستئناس بالأمور البشرية