الحسّية ، ولهم التعلّق بالأشياء الفانية الصورية ، وذلك الاستئناس والتعلّق يمنعهم عن التجرّد والتبتّل ؛ فهو الذي يقال له : الحجاب.
ولعلماء الرسوم حظ وافر من ذلك ، فإنهم إذا تقلّدوا مدرسة في بلدة ، أو نالوا غيرها من الحظوظ العاجلة ورأوا أنهم مفحمون في عيون الناس ، ولهم أحباب وطلبة يتردّدون إليهم صباحا ومساء ؛ فهم أعلق بتلك البلدة من علاقة العلقة ببدن الإنسان أو الحيوان ، فلا طريق لهم إلى الحق إلا عند الموت ، وذلك من جهة الجبر لا من طريق الاختيار ، عصمنا الله وإياكم من التعلّقات الموجبة للانتقام ، وشرّفنا بالقيام بالحق في كل مقام.
وورد أيضا قوله : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٩].
يعنى : توجه بقلبك ، وقالبك إلى جهة القبلة ؛ وهي الشام ، فقمة رضاء الله تعالى ، ثم دفع الإذن الصريح من جهة الشيخ أيضا ، ولله الحمد على نعمه الجليلة ظاهرا وباطنا ، فالنعمة الظاهرة وقوع الاتفاق بين أرواح الكمّل للإذن بالهجرة ، والنعمة الباطنة صدور الإذن من الله تعالى بخصوصه.
ووقع ذلك في أواسط السنة التاسعة والعشرين بعد المائة وألف ، فوقوعه في الأواسط يدلّ على أن خير الأمور أوسطها ، وأن لا خير إلا في الوسط ، والتسع إشارة إلى الإذن جاء من فوق الأفلاك التسعة ، ورمز إلى قوله تعالى : (طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [طه : ١ ، ٢].
والعشرون : إشارة إلى العشرة المتوسطة ، فإنه تعالى ، وكذا حضرة الشيخ في عالم المعنى قال لي : عشر في الدنيا ، وفي الشام عيشا وسط فإنه خير لك ، وأمّا المائة والألف فتلويح إلى حصول الإمداد من الأسماء خصوصا وعموما ، فخصوصها : المائة فإن التسعة والتسعين مع الأحدية مائة ، وعمومها : الألف ، وليس فوقها إلا المكرر.
وفيه إشارة إلى أن في هذه السنة المباركة إذنا من الله تعالى ، ودعوة ، وفتحا من جانب جنابه ونصره ، فالوقت طيب ، والروح صاف ، والعلم باق ، والفيض جار ، والله معي ، وهو حاضري وشاهدي.