وبطلت دلالة السمع وفائدته ثم إن به يتميز العالم من الجاهل كما قال (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ثم إنه منزل على لغة العرب ومن عادتهم الاستعارة والمجاز والتعريض واللحن وقد يكون محكما من وجه ومتشابها من وجه كالمعلوم والمجهول فتصح الحجة من وجه المعلوم دون المجهول والشبهة ما تتصور بصورة الدلالة وأسبابها كثيرة منها اتباع هوى من سبق إليه والثاني أن يدخل عليه شبهة فيتخيله بصورة الصحيح والثالث التقليد والرابع ترك النظر والخامس نشء على شيء صار إلفه فيصعب عليه مفارقته وغير ذلك وأسأل الله المعونة على إتمامه وأن يوفقني لإتمام ما شرعت فيه من كتاب أسباب نزول القرآن فإن بانضمامهما يحصل جل علوم التفاسير إنه ولي ذلك والمنعم بطوله
باب ما يتعلق بأبواب التوحيد
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) الظاهر يقتضي أنه خلق الأرض قبل السماء لأن ثم للتعقيب والتراخي وقال في موضع (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ليس بينهما تناقض لأنه تعالى خلق الأرض قبل السماء غير مدحوة فلما خلق السماء دحاها بعد ذلك ودحوها بسطها ومنه أدحية النعام لأنها تبسطها لتبيض فيها ويجوز أن لا يكون معنى ثم وبعد في هذه الآيات للترتيب في الأوقات والتقديم والتأخير فيها إنما هو على جهة تعداد النعم والأذكار بها كما يقول القائل لصاحبه أليس قد أعطيتك ثم حملتك ثم رفعت منزلتك ثم بعد هذا كله أخلصتك لنفسي ويقال بعد بمعنى مع نحو قوله (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) ويقال بمعنى قبل نحو قوله (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ).
قوله سبحانه :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) بلا دعامة تدعمها ولا علاقة علق بها بل إن الله تعالى يمسكها حالا بعد حال لأعظم دلالة على أنه لا يقدر عليه سواه ولو اجتمعت الجن والإنس على إمساك تبنة في الهواء أو إثبات تربة على الماء لعجزوا
بنى السماء فسواها بلا عمد |
|
ولم تمد بأطناب ولا عمد |