والمتكلمون يعنون أيضا بتقرير وجوب الإيمان بكتب الله المنزلة ومنها القرآن ، وبإثبات نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم بمعجزة القرآن. وبدهى أن ذلك كله مناطه الألفاظ ، فلا بدع أن ساهموا فى هذا الإطلاق الثالث.
القرآن عند المتكلمين
ثم إن المتكلمين حين يطلقونه على الكلام النفسى لملاحظون أمرين :
أحدهما : أن القرآن علم أى كلام ممتاز عن كل ما عداه من الكلام الإلهى.
ثانيهما : أنه كلام الله ، وكلام الله قديم غير مخلوق ، فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث.
وقد علمت أن الكلام النفسى البشرى يطلق بإطلاقين أحدهما : على المعنى المصدرى وثانيهما على المعنى الحاصل بالمصدر. فكذلك كلام الله النفسى. يطلق بإطلاقين أحدهما :
على نظير المعنى المصدرى للبشر. وثانيهما : على نظير المعنى الحاصل بالمصدر للبشر. وإنما قلنا (على نظير) لما هو مقرر من وجوب تنزه الكلام الإلهى النفسى عن الخلق وأشباه الخلق. فعرفوه بالمعنى الأول الشبيه بالمعنى المصدرى البشرى. وقالوا : «إنه الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الحكمية. من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس».
وهذه الكلمات أزلية مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهى مترتبة غير متعاقبة. كالصورة تنطبع فى المرآة مترتبة غير متعاقبة. وقالوا فى تعريفهم هذا : إنها حكمية لأنها ليست ألفاظها حقيقية مصوّرة بصورة الحروف والأصوات. وقالوا : إنها أزلية ، ليثبتوا لها معنى القدم. وقالوا : إنها مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية لينفوا عنها أنها مخلوقة. وكذلك قالوا : إنها غير متعاقبة ، لأن التعاقب يستلزم الزمان ، والزمان حادث. وأثبتوا لها الترتب ، ضرورة أن القرآن حقيقة مترتبة بل ممتازة بكمال ترتبها وانسجامها.