المنطوقة ، التى هى كيفية في الصوت الحسى ، وكلا هذين ظاهر لا يحتاج إلى توضيح. أما الكلام النفسى بالمعنى المصدرى ، فهو تحضير الإنسان في نفسه بقوته المتكلمة الباطنة ، للكلمات التى لم تبرز إلى الجوارح ؛ فيتكلم بكلمات متخيّلة يرتّبها في الذهن بحيث إذا تلفظ بها بصوت حسى كانت طبق كلماته اللفظية. والكلام النفسى بالمعنى الحاصل بالمصدر : هو تلك الكلمات النفسية والألفاظ الذهنية المترتبة ترتّبا ذهنيا منطبقا عليه الترتّب الخارجى.
ومن الكلام البشرى النفسى بنوعيه قوله تعالى : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ : أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً). ومنه الحديث الشريف الذى رواه الطبرانى عن أمّ سلمة أنها سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد سأله رجل فقال : «إنّى لأحدّث نفسى بالشىء لو تكلّمت به لأحبطت أجرى» فقال عليهالسلام : «لا يلقى ذلك الكلام إلّا مؤمن» فأنت ترى أن النبى صلىاللهعليهوسلم سمّى ذلك الشيء الذى تحدثت به النفس كلاما ، مع أنه كلمات ذهنية لم ينطق بها الرجل مخافة أن يحبط بها أجره. وهذا الإطلاق من الرسول يحمل على الحقيقة لأنها الأصل ولا صارف عنها.
كذلكم القرآن كلام الله ـ ولله المثل الأعلى ـ قد يطلق ويراد به الكلام النفسى ، وقد يطلق ويراد به الكلام اللفظى. والذين يطلقونه إطلاق الكلام النفسى هم المتكلمون فحسب ، لأنهم المتحدثون عن صفات الله تعالى النفسية من ناحية ، والمقررون لحقيقة أن القرآن كلام الله غير مخلوق من ناحية أخرى. أما الذين يطلقونه إطلاق الكلام اللفظى ، فالأصوليون والفقهاء وعلماء العربية ، وإن شاركهم فيه المتكلمون أيضا ، بإطلاق ثالث عندهم كما يتبين لك بعد. وإنما عنى الأصوليون والفقهاء بإطلاق القرآن على الكلام اللفظى ، لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام وهو لا يكون إلا بالألفاظ. وكذلك علما العربية يعنيهم أمر الإعجاز ، فلا جرم كانت وجهتهم الألفاظ.