إذا عرفت هذا الإطلاق الأول عند المتكلمين ، سهل عليك أن تعرف إطلاقهم الثانى للقرآن الكريم : وهو أنه تلك الكلمات الحكمية الأزلية المترتبة فى غير تعاقب ، المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهو تعريف للقرآن كلام الله بما يشبه المعنى الحاصل بالمصدر لكلام البشر النفسى. ذانك إطلاقان اختص بهما المتكلمون كما رأيت.
وهناك إطلاق ثالث للقرآن يقول به المتكلمون أيضا لكن يشاركهم فيه الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية. ذلك أنه هو :
«اللفظ المنزّل على النبى صلىاللهعليهوسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس» الممتاز بخصائصه التى سنذكرها بعد قليل.
فهو مظاهر وصور لتلك الكلمات الحكميّة الأزلية ، التى أشرنا إليها آنفا ويطلق القرآن إطلاقا رابعا على النقوش المرقومة بين دفّتى المصحف ، باعتبار أن النقوش دالة على الصفة القديمة ، والكلمات الغيبية ، واللفظ المنزل. وهذا إطلاق شرعى عام. ولنضرب لك مثلا يوضح ذلك المقام الذى ضلّت فيه الأفهام ، وزلّت فيه الأقدام.
رجل شاعر ، كشرف الدين البوصيرى رحمهالله ـ لا ريب أنه كان يحمل فى نفسه قوّة شاعرة ، يسطيع أن يصوغ بها ما شاء من غرر القصائد ، وعند ما اتجهت شاعريّته فعلا ، أن يمتدح أفضل الخليقة صلوات الله وسلامه عليه بقصيدته المعروفة بالهمزيّة ، لا شك أنه عالج النظم فى نفسه ، واستحضر المعانى والألفاظ والأوزان ، حتى تمثل له ذلك القصيد فى نفسه وتأثرت نفسه به ، على وجه إذا تكلم به بصوت حسى كان عين نظمه المقفّى الموزون. ثم لا شك أنه نطق بقصيده بعد ، ثم كتبه بعد أن أنشده. فهذا الاسم الشهير بالهمزية فى مدح خير البرية ، يمكن أن نقرب