ولقد أفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحى بالبحث والتأليف ، ووضعوا من أجلها العلوم ودوّنوا الكتب ، وتباروا في هذا الميدان الواسع أشواطا بعيدة ، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث مجيد من آثار سلفنا الصالح ، وعلمائنا الأعلام. وكانت هذه الثروة ولا تزال مفخرة نتحدّى بها أمم الأرض ، ونفحم بها أهل الملل والنّحل في كل عصر ومصر!
وهكذا أصبح بين أيدينا الآن مصنفات متنوعة ، وموسوعات قيّمة ، فيما نسميه علم القراءات ، وعلم التجويد ، وعلم النسخ العثمانى ، وعلم التفسير ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، وعلم غريب القرآن ، وعلم إعجاز القرآن ، وعلم إعراب القرآن ، وما شاكل ذلك من العلوم الدينية والعربية ، مما يعتبر بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب هو سيد الكتب ، وبات هذا المظهر معجزة جديدة مصدّقة لقوله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ولقد أنجبت تلك العلوم الآنفة وليدا جديدا ، هو مزيج منها جميعا ، وسليل لها جميعا ، فيه مقاصدها وأغراضها ، وخصائصها وأسرارها ، «والولد سرّ أبيه».
وقد أسموه (علوم القرآن) وهو موضوع دراستنا في هذا الكتاب إن شاء الله.
وسأحاول فيما أكتبه أن أمزج بين حاجة الأزهريين إلى البحث والتحليل ، وبين رغبات جماهير القراء المعاصرين في تقريب الأسلوب وتعبيد السبيل ، ما وسعنى الإمكان.
وسأضطر بسبب ذلك إلى شىء من الإسهاب والتطويل ، ولكنها تضحية ضئيلة بجانب تأدية رسالتنا في وجوب الاتصال الدينى بالجماهير.
وسأعرض ـ بعون الله وتأييده ـ لعلاج الشبهات التى أطلق بخورها أعداء الإسلام ، وسددوا سهامها الطائشة إلى القرآن ، ولكن عند المناسبة وسنوح الفرصة.