وسنجتزئ في كل مبحث ببعض أمثلة من القرآن الكريم ، دون أن احاول ما حاوله سلف الكاتبين من استيعاب كل فرد لكل نوع ؛ فإن حبل ذلك طويل وثقيل ، على حين أن الناظر يكفيه الإيضاح بقليل من التمثيل.
وسأجعل نقاط المنهج المقرر عناوين بارزة بين المباحث التى يقوم عليها هذا الكتاب مقتفيا في الغالب أثر تلك النقط في التسمية وفي الترتيب. (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
المبحث الأول
فى معنى علوم القرآن
يقتضينا منهج البحث التحليلى لهذا المركب الإضافى ، أن نتحدث عن طرفيه ، وعن الإضافة بينهما ، ثم عن المراد بهذا المركب بعد نقله وتسمية هذا الفن المدوّن به.
(١) أما العلوم : فجمع علم ، والعلم في اللغة مصدر يرادف الفهم والمعرفة ، ويرادف الجزم أيضا في رأى. ثم تداولت هذا اللفظ اصطلاحات مختلفة :
فالحكماء : يريدون به صورة الشيء الحاصلة في العقل ، أو حصول الصورة في العقل ، أو تعلق النفس بالشىء على جهة انكشافه. والتحقيق عندهم هو الاطلاق الأول.
والمتكلمون : يعرّفون العلم : بأنه صفة يتجلى بها الأمر لمن قامت به ، وهو مراد من قال منهم : «إنه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض» ولو كان هذا التمييز بوساطة الحواس كما هو رأى الأشعرى.
ويطلق العلم في لسان الشرع العام : على معرفة الله تعالى وآياته ، وأفعاله في عباده وخلقه. قال الإمام الغزالى في الإحياء : «قد كان العلم يطلق على العلم بالله تعالى وآياته وبأفعاله في عباده وخلقه ، فتصرفوا فيه بالتخصيص حتى اشتهر في المناظرة مع الخصوم