الخوارج يسألونه ، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين حتى دخل وجلس ، فأقبل عليه ابن عباس فقال : أنشدنا فأنشده :
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر |
|
غداة غد أم رائح فمهجّر (١٢) |
حتى أتى على آخر القصيدة ، فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال له : الله يا ابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد ، نسألك عن الحلال والحرام ، فتتثاقل عنا ، ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك :
رأيت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت |
|
فيخزى وأما بالعشيّ فيخسر |
فقال ابن عباس : ليس هكذا قال :
قال نافع : فكيف؟ قال :
رأيت رجلا أما إذا الشمس عارضت |
|
فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر (١٣) |
قال نافع : ما أراك إلا وقد حفظت البيت؟
قال : نعم ، وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها (١٤).
قال : فإني أشاء. فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها ، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحا (١٥).
ولقد بلغ ابن عباس من مجد العلم مبلغا سارت بحديثه الركبان. فقد روي أن عبد الله بن عباس الذي ليس له صولة ولا إمارة ، خرج حاجا في سنة خرج فيها للحج خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان. فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ، أما ابن عباس فقد كان له موكب من طلاب العلم يفوق موكب الخليفة.
ولعل من أهم أسباب تفوق ابن عباس نشأته في بيت النبوّة لعظيم الأثر فيما بلغه
__________________
ولسان الميزان للذهبي : ٦ / ١٤٤. وجمهرة الأنساب : ٢٩٣. وتاريخ الطبري : ٧ / ٦٥. والأعلام للزركلي : ٧ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.
(١٢) هجر : سار في الهاجرة ، والهاجرة : شدة الحر.
(١٣) يضحى : يظهر للشمس ، عارضت : قابلت. يخصر : يبرد.
(١٤) انظر : الأغاني : ١ / ٧٢. وقصص العرب : ١ / ٣٥٨.
(١٥) صفحا : مرورا.