والفلسفي في سياق الحضارة الغربية ودراسات الكتاب المقدس. كما أنها تهدد اللسان العربي وبيانه فضلا عن تراثنا الديني والحضاري.
ولكون النصرانية لا يتضمن إنجيلها شيئا من التشريع ، استبعد أهل هذه الفئة الفكرة المبتدعة العلوم الشرعية وردوها في فهم القرآن.
وطبق الهرمينوطيقيون من جهة المنهج التفكيكي على آيات القرآن الكريم طلبا للكشف عن القرآن الحقيقي الذي اختلط نصه في زعمهم بأساطير وأوشاب ينبغي تخليصه منها ، كما دعوا إلى تسليط قوانين البحث على جملة من الحقائق اعتبرها المسلمون من مظاهر قدسية الكتاب العزيز ، فشككوا في الوحي وفي جميع القرآن وقطعيته ، منصرفين عن السّنة المبينة والمعضدة له انصرافا كاملا ، ومنتهين إلى إنكار كون القرآن من عند الله. وكل ذلك استهدفوه من أبحاثهم قبل إعدادها ، بل قبل الشروع فيها.
ومن جهة ثانية اتجهت هذه الفئة من خلال فهمها التقدمي لنصوص القرآن إلى رفض جملة من التشريعات الإسلامية كإباحة الطلاق والقول بتعدد الزوجات مثلا ، مدّعية أن هذا الفهم للقرآن يفرض القطيعة الثقافية مع التفاسير الرجعية ، وهكذا أوّلوا الخلق والزوج والإرث ونحوها من الكلم الواضحة التي ورد بها القرآن بتآويل بعيدة كل البعد عن مدلولاتها في اللغة العربية الصحيحة ، طمعا في الخلوص من هذا إلى القول مثلا بالمساواة التامة بين الذكر والأنثى ، مؤكّدين أن تأويل القرآن لا يلزم أن يكون مقتصرا على ثقافة معيّنة بل يتعيّن لديهم أن يخضع لظروف وبيئات ثقافية متنوعة. ويعلّلون هذا كله ، ويجرأون على الله بقولهم : إن للقرآن وظيفة مؤقتة ، واستجابة لظروف آنية غير دائمة ، وهذا ما تقتضيه تاريخانية الأحكام والنصوص القرآنية في مدلولاتها ومجال تطبيقاتها.
وهذه المحادة للقرآن وهديه وأحكامه لا تقبل من عاقل متدبّر ولا من مفكر ينطلق من أسس سليمة في تفكيره ونظرياته فكيف إذا كان من مسلم أو مؤمن!. لقد حادوا عن قوانين اللغة ، وتجاهلوا عروبة النص القرآن ، ولغوا في تفسير القرآني لغوا سخيفا مكشوفا. فهم ليسوا أهل اللسان ، ولا أهل القرآن ، ولا أهل الشريعة. وقد بذلوا من الجهد قصاراه لاستبعاد العلوم الشرعية التي دونت وأنضجت لخدمة النصوص الدينية وتوثيقها وفهمها واستنباط الأحكام منها حتى يتم لهم التحرر المطلق ويقولوا في القرآن بما تأولوه تحكّما وبما ليس منه.
وتباينت على هذا الأساس المدرستان المتقابلتان : مدرسة التفسير النبوي ، والمدرسة العصرية. ووردت فيهما توجيهات ونصوص لا تخفى على أحد إلا على من طبع الله على قلبه فهو لا يعي ولا يفهم وهو شديد الجدال. فمن التوجيهات مقالة شيخ الإسلام ابن تيمية : إن أحسن وأصح الطرق في التفسير : تفسير القرآن بالقرآن. فما أجمل في مكان فإنه قد يفسر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فقد يبسط في موضع آخر.