حقيقته ، وإبطال أقواله ، والردّ على ضلالاته ، وتحصين القراء منه ووقايتهم ، وخاصة الشباب ، من الوقوع في حبائله أو الاغتراء بما جاء به من تشويه للفكر العربي الإسلامي ، وصرف الناس عن الهدى والحق وتعاليم الدين.
ولعل ، من خير الوسائل في هذا ، العناية الفائقة بمصنفات الرعيل الأول من رجال مدرسة النبوءة ، الذين تميزوا بحكم ظروفهم التي عاشوها ، والأمانة التي تلقّوها بأن كانوا الأحقاء بأن يقولوا في التفسير مقالاتهم المختصرة والمحرّرة ، لما نشأوا عليه من لغة سليمة فصيحة ، كانوا هم أنفسهم الحجة والمرجع فيها ، ولما حملوه من الرسول وصحابته من كلام في آيات القرآن بعيد عن الضعف والوضع ، فيه كل ما يعتمد ويعتدّ به للسير على منهجهم ، وشرح الآي ولو شرحا مختصرا وبيان ما تناولته من حكم وأحكام ، هي سبيل الهداية وطريق الإيمان الكامل والمعرفة الصادقة.
وقد منّ الله على رواد التفسير بالمأثور بالوقوف على جملة من المصنفات من بينها تفاسير مجاهد بن جبر وسفيان الثوري وسعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط ، والطبري وابن المثنى. وبدأت حركة النشر تطل علينا من المشرق والمغرب. وكان بعض التفاسير معنيا بالأسانيد في الرواية عن الصحابة والتابعين ، بيانا للأصول ، وتوثيقا لما أوردته من أقوال وآراء ، والبعض الآخر منصبا التفسير فيه على الآي من الناحيتين الإفرادية والتركيبية للألفاظ ، ومن جهة الاستعمالات والتصرفات القولية.
واليوم يطلع علينا جزءهام من تفسير يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة التيمي البصري ، ليس لأحد من المتقدمين عليه مثله. وهو اللغوي العالم بالكتاب والسّنة ، الذي روى عنه شيوخه من العلماء : أمثال مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وسعيد بن أبي عروبة.
وذكرت المصادر أنه قال : أحصيت بقلبي من لقيت من العلماء ، فعددت ثلاثمائة وثلاثة وستين عالما سوى التابعين وعددهم أربعة وعشرون ، وامرأة تحدث عن عائشة.
لقي التابعين وروى عنهم ، كما روى أكثر من لقيه منهم عنه.
ومن رواة تفسيره عن طريق ابنه محمد : ابن أبي زمنين ، وابن الفرضي ، وابن خير الإشبيلي الأندلسي ، وابن حجر ، والروداني وغيرهم.
ونقل عنه أكثر أهل العلم بالتفسير في كتبهم كما فعل الماوردي في النكت والعيون ، وابن الجوزي في زاد المسير ، والقرطبي في جامعه وفي التذكرة ، وابن حجر في الفتح وفي العجاب في بيان الأسباب ، والشوكاني في فتح القدير ، والألوسي في روح المعاني.
واختصر تفسيره ابن أبي زمنين وأبو المطرف عبد الرحمن بن هارون القنازعي القرطبي ، وهود بن محكم الهواري.
وكان بعضهم يحفظ تفسير يحيى بن سلام. ذكروا ذلك عن الفقيه أبي عبد الله محمد بن زرزور الحنفي ، الذي اشتهر بالحفظ الكثير ، وقال يوما : إني أحفظ تفسير ابن