الإشارة إلى قصتهم :
ذكر أهل العلم بالتفسير والسير : أن بني عمرو بن عوف لما اتخذوا مسجد قباء وأرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصلي فيه ، حسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف ، وكانوا من منافقي الأنصار ، فقالوا : نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيصلي فيه ، ونرصده لأبي عامر الراهب ليصلي فيه إذا قدم من الشام ، وكان أبو عامر الراهب رجلا منهم تنصّر في الجاهلية وترهّب ولبس المسوح. فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة قال له أبو عامر : ما هذا الذي جئت به؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم. قال أبو عامر : فأنا عليها. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لست عليها. فقال : بلى ولكنك أدخلت فيها ما ليس [منها](١). فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ما فعلت ، ولكن جئت بها بيضاء نقية. قال أبو عامر : أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا غريبا. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : آمين. وسمّاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبو عامر الفاسق. فلما كان يوم أحد قال أبو عامر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين. فلما انهزمت هوازن خرج هاربا إلى الشام ، وأرسل إلى المنافقين : أن أعدوا ما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجدا ، فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجنود الروم فأخرج محمدا وأصحابه ، فبنوا له هذا المسجد إلى جنب مسجد قباء. فلما أتموا بناءه أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا قد ابتنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تصلي فيه ، فدعى بقميصه ليلبسه ، فنزل عليه القرآن وأخبره الله تعالى خبرهم ، فدعا معن بن عدي ومالك بن الدخشم في آخرين ، فقال : انطلقوا إلى هذا المسجد
__________________
(١) زيادة من البغوي (٢ / ٣٢٦).