وقالت الأنصار : لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. هذا قول ابن عباس وأبي بن كعب وأبي هريرة وعامة المفسرين (١).
وقد أخرج الترمذي من حديث أبي بن كعب قال : «لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ، ومن المهاجرين ستة ، منهم : حمزة بن عبد المطلب ، فمثّلوا بهم. فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم في التمثيل. فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كفوا عن القوم إلا أربعة» (٢).
فإن قيل : قتل الكافرين للمؤمنين لم يكن عقوبة بل مثوبة ، فكيف قال : (بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ)؟
قلت : لازدواج الكلام ، وقد سبقت نظائره.
(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) رجاء الثواب (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
فإن قيل : ما وجه هذا الكلام وقد ثبت بالدليل الشرعي والبرهان العقلي أن النكاية في الكفار وبكل ما فيه استئصال شأفتهم أفضل من الصبر عليهم؟
قلت : المعنى : ولئن صبرتم عن المثلة ، أو صبرتم عن التمثيل بالأحياء منهم ، أو يكون ذلك ترغيبا لهم في الصبر عن الأخذ بالثأر على وجه التشفّي والانتقام
__________________
ـ (٤ / ٥٠٧).
(١) أسباب النزول للواحدي (ص : ٢٩١) ، وزاد المسير لابن الجوزي (٤ / ٥٠٨).
(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٩٩ ح ٣١٢٩).