قال المبرد (١) : وهذا على عادة العرب ، فإنهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي ، أي : لم أطلع عليه أحدا.
وقال قطرب : إن قيل : كيف يخفي الله تعالى من نفسه وهو خلق الإخفاء؟
قلنا : إن الله تعالى كلّم العرب بكلامهم الذي يعرفونه ، ألا ترى أن الرجل يعذل أخاه يقول : أذعت سرّي. فيقول مجيبا له معتذرا إليه : والله لقد كتمت سرّك من نفسي فكيف أذيعه؟ معناه عندهم : أخفيته الإخفاء كله.
قال الشاعر :
أيام تعجبني هند وأخبرها ما |
|
أكتم النفس من حاجي وأسراري (٢) |
فكيف يخبرها بما يكتم من نفسه ، فمجاز الآية على هذا.
وقال الزمخشري (٣) : المعنى : أكاد أخفيها ، فلا أقول هي آتية (٤) لفرط إرادتي إخفاءها.
وأنكر تفسير الجمهور ، فقال : لا دليل في هذا الكلام على هذا المحذوف ، ومحذوف لا دليل عليه مطّرح.
قال الزمخشري (٥) : والذي غرّهم منه أنّ في مصحف أبيّ بن كعب : " أكاد أخفيها من نفسي".
__________________
(١) انظر قول المبرد في : الوسيط (٣ / ٢٠٣) ، وزاد المسير (٥ / ٢٧٦).
(٢) انظر البيت في : القرطبي (١١ / ١٨٥).
(٣) الكشاف (٣ / ٥٧ ـ ٥٨).
(٤) في الأصل : أيأتيه. والتصويب من ب ، والكشاف (٣ / ٥٧).
(٥) الكشاف (٣ / ٥٨).