وهو قوله : «هم الكاذبون» (١). ويجوز أن يكون شرطا ، والجواب محذوف ؛ لأن جواب «من» شرح دال عليه ، تقديره : من كفر فعليهم غضب إلا من أكره (٢).
(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أقوام أكرههم أهل مكة على الارتداد عن الإسلام ، وكان فيهم من نطق بالكفر معتقدا للإيمان ؛ كعمار بن ياسر ، عذّبه المشركون ، ولم يزالوا به حتى سبّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكر آلهتهم بخير ، ثم أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم [فقال](٣) : ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، فقال له : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئنا بالإيمان ، قال : فإن عادوا لك فعد لهم لما قلت (٤).
ومنهم من صبر واحتسب حتى قتل كياسر وسمية أبوي عمار ، وهما أول قتيلين في الإسلام.
فإن قيل : أيّ الفعلين أولى فعل عمار أو فعل أبويه؟
قلت : بل فعل أبويه. نص عليه الإمام أحمد في أسير خيّر بين القتل وشرب الخمر ، فقال : إن صبر على القتل فله الشرف ، وإن لم يصبر فله الرخصة (٥).
ودليل الأولوية في جانب العزيمة ما يتضمن من إعزاز الإسلام وإظهار كلمة الحق وبذل النفس لله تعالى رغبة في ثوابه وخوفا من عقابه.
__________________
(١) التبيان (٢ / ٨٦) ، والدر المصون (٤ / ٣٦٠).
(٢) مثل السابق.
(٣) زيادة على الأصل.
(٤) أخرجه الحاكم (٢ / ٣٨٩ ح ٣٣٦٢) ، والبيهقي في الكبرى (٨ / ٢٠٨).
(٥) القواعد والفوائد الأصولية (ص : ٤٩) ، والمدخل لابن بدران (ص : ١٦٨).