وقرأ ابن عامر : «من بعد ما فتنوا» بفتح الفاء والتاء (١) ، أي : فتنوا أنفسهم بإظهار ما أظهروا من الكفر تقية ، لأن الرخصة في ذاك لم تكن نزلت بعد.
وقيل : فتنوا غيرهم ليرتدوا.
(ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) معك على الجهاد والدين (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي : من بعد هذه الأفعال من الهجرة والجهاد والصبر (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
فإن قيل : أين خبر «إن» التي في أول الآية؟
قلت : «غفور رحيم» ، وهذا من باب ما جاءت «إن» فيه مكررة في التنزيل ، ومثله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا ..). الآية ، (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال : ٤١] ، ومثله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [التوبة : ٦٣] ، وقوله : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) [الحج : ٤] ، قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥].
قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) العامل في الظرف «غفور رحيم» ، أو مضمر تقديره : اذكر يا محمد يوم تأتي كل نفس صالحة وطالحة تجادل عن نفسها لا يهمها غيرها (٢).
وقد روي : «أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب
__________________
(١) الحجة للفارسي (٣ / ٤٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٩٥) ، والكشف (٢ / ٤١) ، والنشر (٢ / ٣٠٥) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٨٠ ـ ٢٨١) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٧٥ ـ ٣٧٦).
(٢) التبيان (٢ / ٨٦) ، والدر المصون (٤ / ٣٦٢).