والبهائم. فانظر إلى هذا الترتيب البديع الدّال على العلم والحكمة ، كيف بدأ أولا بما هو أدل على القدرة الإلهية ، وأعجب في إتقان الحكمة ، وهو الماشي بغير آلة مشاهدة ، ثم بالماشي على رجلين ، ثم بالماشي على أربع.
فإن قيل : لم سمي الزحف على البطن مشيا؟
قلت : على وجه الاستعارة ، كقولهم : فلان لا يتمشّى له أمر ، وقولهم للشيء المستمر : ماش. وهذا معنى قول الزجاج (١).
قال أبو عبيدة (٢) : جاز ذلك لكون الزاحف على بطنه خلط بالماشي على قوائمه ، فصار مثل قولهم : أكلت خبزا ولبنا ، ولا يقال : أكلت لبنا.
(يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) من هذه الأنواع وغيرها ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) يعني : على إنشاء كل شيء من هذه الأشياء وغيرها (قَدِيرٌ).
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
__________________
(١) انظر : معاني الزجاج (٤ / ٥٠).
(٢) مجاز القرآن (٢ / ٦٨).