«يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر ؛ بيدي الأمر ، أقلّب الليل والنهار» (١).
أي : أنا الذي أقلب الليل والنهار بتصاريف أحوالهما الكائنة فيهما.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) التقليب (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) لدلالة لأرباب العقول على قدرة الله تعالى ووحدانيته وعظمته.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) قرأ حمزة والكسائي : " خالق" بالألف وكسر اللام ورفع القاف ، على اسم الفاعل ، " كلّ" بالجر على الإضافة ، كقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد : ١٦] ، وقرأ الباقون : " خلق كلّ" على صيغة الفعل الماضي (٢) ، ونصبوا كلا ؛ لأنه مفعول" خلق" ، وهذا كقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [إبراهيم : ١٩] ، وقوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١]. والمعنى : كل دابة من الحيوان المشاهد ، فيخرج من ذلك الملائكة والجن ، " من ماء" يعني : النطفة.
ثم غلّب من يعقل فقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) ؛ كالحيات والحيتان ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كابن آدم ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالأنعام
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٢٥ ح ٤٥٤٩) ، ومسلم (٤ / ١٧٦٢ ح ٢٢٤٦).
(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٢٠٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٥٠٣ ـ ٥٠٤) ، والكشف (٢ / ١٤٠) ، والنشر (٢ / ٣٣٢) ، والإتحاف (ص : ٣٢٦) ، والسبعة (ص : ٤٥٧).