وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث جبير بن نفير عن أبيه قال : «جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما ، فمرّ به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت. فاستغضب ، فجعلت أعجب ، ما قال إلا خيرا ، ثم أقبل إليه فقال : ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيّبه الله عنه لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه ، والله لقد حضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقوام كبّهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أو لا تحمدون الله إذا أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم مصدّقين لما جاء به نبيكم ، فقد كفيتم البلاء بغيركم ، والله لقد بعث النبي صلىاللهعليهوسلم على أشدّ حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرّق بين الحق والباطل ، وفرّق بين الوالد وولده ، إن كان الرجل ليرى والده وولده وأخاه كافرا ، وقد فتح الله عليه قفل قلبه للإيمان ، يعلم أنه إن هلك دخل النار فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وأنها للّتي قال الله عزوجل : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)(١).
قوله تعالى : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) قال ابن عباس : أئمة يقتدى بنا (٢).
فإن قيل : كيف وحّد وهو يرجع إلى جماعة؟
قلت : اكتفى بالواحد عن الجمع ؛ لدلالته على الجنس وعدم اللبس ، كقوله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : ٦٧].
ويجوز أن يكون التقدير : اجعل كل واحد منا إماما. ويجوز أن يكون مصدرا ،
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٢ ح ٢٣٨٦١).
(٢) أخرجه الطبري (١٩ / ٥٣).