قلت : لا يخلو إما أن يكون هذا القول من موسى بعد أن أجيبت دعوته وحلت عقدته أو قبله ، فإن كان بعده زال الإشكال. وإن كان قبله فالمعنى : إني أخاف زيادة العقلة التي لا يجامعها انطلاق اللسان.
فلما مهد موسى عليهالسلام العذر بين يدي مسألته ، سأل ربه أن يؤيده بأخيه فقال : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أي : ابعث إليه جبريل واجعله رسولا.
ثم استدفع ربه المحذور الذي كان يخافه بسبب قتل القبطي فقال : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) أي : ولهم علي دعوى ذنب أو تبعة ذنب ، وهو قتل القبطي الذي وكزه فقضى عليه ، (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) به.
فآمنه الله تعالى وأعطاه أمنيته بصيغة تدل على الدفع وتؤذن بالزجر فقال : (كَلَّا) أي : ارتدع يا موسى عن الإقامة على هذا الظن ، فإني من ورائك بالحفظ والرعاية.
(فَاذْهَبا بِآياتِنا) أي : انطلق أنت وهارون [بمعجزاتنا](١) (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) ما تقولان ويقال لكما.
فإن قيل : هما اثنان ، فكيف قال : (إِنَّا مَعَكُمْ)؟
قلت : هو على معنى (٢) الخطاب لهما ولمن عساه أن يكون معهما ومنضما إليهما ، أو هو على مذهبهم في خطاب الواحد العظيم ، أو الاثنين العظيمين بلفظ الجمع.
(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال ابن قتيبة (٣) : الرسول يكون
__________________
(١) في الأصل : بمعزاتنا. والتصويب من ب.
(٢) ساقط من ب.
(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٣١٦).