قال : أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا الجازري ، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدثني أبو عبد الله أحمد بن فراس الشامي ، حدثنا الجهم بن بدر ، قال الكرماني (١) في خلوب جارية الرشيد شعرا ، فبلغ الرشيد ، فوجّه إليه وأقعد الرشيد خلوب خلف ستر ، ومرّ الكرماني بالفضل بن الربيع فقال : إن أمير المؤمنين قد وجّه إليّ فأنشده إن استنشدني ، قال : نعم بعد الأمان ، فلما دخل قال الرشيد : أنت الكرماني؟ قال : نعم ، قال : أنشدني؟ قال : في الزهد ، قال : لست هناك ، قال : ففي المديح ، قال : ولا ، قال : فما أنشدك يا أمير المؤمنين؟ قال : شعرك في خلوب ، قال : بعد الأمان يا أمير المؤمنين ، فأنشده قوله فيها حتى بلغ :
لو لم أذقها طاب لي حبّها |
|
لكنّني ذقت فلا ذقت |
فخرجت خلوب من وراء الستر فقالت : والله يا أمير المؤمنين ما ذقته ولا ذاقني ، ولا رأيته ولا رآني ، وقد أقرّ بالزنا ، فحدّه يا أمير المؤمنين ، قال : يا خلوب ، قد أعطيناه الأمان ، قالت : الأمان في حدّ من حدود الله؟ قال : قد سمعت يا كرماني ، قال : يا أمير المؤمنين ، قال الله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) إلى قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) قال : صدقت ، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
ثم إن الله سبحانه وتعالى استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من قول الشعر ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا) أي : انتصروا من شعراء المشركين
__________________
(١) في هامش ب : كرمان : بالفتح ثم السكون ، وربما كسرت الكاف. ذكره في المعجم قال : والفتح أشهر (انظر : معجم البلدان ٤ / ٤٥٤).