يحملون الأوامر الشرعية على الوجوب ، ونواهيها على الحرمة ، والعام على الخاصّ ، والمطلق على المفيد ، والمنسوخ على الناسخ ، فهل يُعقل أن نقول أنّ ابن عباس أو ابن مسعود ، أو الشعبي ، أو ابن سيرين ، أو ابن أبي ليلى ، أو أبي حنيفة ، أو مالك ، أو محمد بن الحسن الشيباني ، وغيرهم ممن سبقوا الشافعي في الاجتهاد وإعمال القواعد الأُصولية لم يكونوا مجتهدين ، أو كانوا ولكنهم لم يعرفوا القواعد الأُصولية!! وهذا يعني ان الحكم على مثل أبي حنيفة بأنه : (فقيه ، أو صاحب الرّأي والقياس) ، سيكون حكماً مجازياً ، وبطلانه من أوضح البديهيات. نعم كانت الأُمور والمستحدثات قد تطورت وتعقدت أيام الشافعي واستعصى حلّها إلّا بإمعان النّظر والتدقيق وإفراغ الوسع في استنباط أحكامها ، خلافاً للبساطة التي كانت عليها الأمور والأحداث في زمن الصحابة. ومن المناسب أن نشير إلى نصين يفيدان وجود عملية الاجتهاد منذ عصر الرسالة وهما :
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لابن مسعود : «اقض بالكتاب والسُّنة إذا وجدتهما ، فان لم تجد الحكم فيها اجتهد رأيك» (١).
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : «بم تَحكُم؟ قال : بكتاب الله ، قال : فان لم تجد؟ قال : بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : فان لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي» (٢).
ونتساءل أليس هذا الاجتهاد هو إعمال القواعد الأُصولية لأجل
__________________
(١) الترمذي : أبواب الأحكام ، عارضة الأحوذي ٦ : ٦٨ ، سنن أبي داود : كتاب الأقضية ، مسند أحمد ٥ : ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢.