ألسنة بعضهم واستقام عليها فقههم ، فإذا كان الإمام جعفر قد أملى بعضها على صحابته وتناولوه بعده بالترتيب والتبويب فقد كان الزمن كله ينحو في الجملة إلى ناحية ملاحظة المناهج وتمييز المدارس الفقهية في مناهجها.
وإذن فالإمامان لم يسبقا الإمام الشافعي بالتأليف ، وأمّا سبق هشام بن الحكم بكتاب الألفاظ ، ويونس بن عبد الرحمن بكتاب اختلاف الحديث ، فنحن لا نستطيع أن نقرر بهذا أنّهما سبقا الشافعي إلى تدوين علم الأُصول لأن الكتابة في جزء من هذا العلم هو مشترك بينه وبين غيره كبحث الألفاظ وكاختلاف الحديث لا يُعدُّ تأسيساً لهذا العلم بمباحث الألفاظ ، والدلالات من المباحث المشتركة بين الأصول وبين اللغة وهي في الأُصول جزءٌ مكملٌ لفهم القرآن والسُّنة ... لا يعدّ هذان العالمان بهذين البحثين قد أسسا علم الأُصول كما فعل الشافعي ذلك ، ان الشافعي رتب أبوابه ، وجَمَع فصوله ، ولم يقتصر على مبحث دون مبحث بل بحث في الكتاب والسُّنة وطرق روايتهما ومناهج الاستدلال بها ، ومقامها من القرآن ، وبحث الدلالات اللفظية فتكلم في العام والخاصّ ، والمشترك والمجمل والمفصل ، كما بحث الإجماع ... وهو بهذا لم يُسبق ، أو على التحقيق لم يُعلم إلى الآن أنّ أحداً قد سبقه) (١).
وهكذا يقر الشيخ أبو زهرة بأسبقية الإمامين عليهماالسلام وتلميذيهما في فتح باب الأُصول وفتق مسائله لكنه يرى :
أولا : أنّ رسالة الشافعي كتابٌ جامع يحتوي على معظم مسائل
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه الجعفري : ٦.