يذكرك بالقرب. وإن ذكرته بالإحسان يذكرك بالرحمة. وإن ذكرته بالاستقامة يذكرك بالأمن. وإن ذكوته بالقرض يذكرك بالتضعيف. وإن ذكرته بالفرائض يذكرك بالفلاح. وإن ذكرته بالخشية يذكرك بالفوز. وإن ذكرته بالاعتصام يذكرك بالنصر. وإن ذكرته فى نفسك ذكرك فى نفسه. وإن ذكرته فى ملأ ذكرك فى ملأ خير من ملئك. وإن ذكرته بالنوافل ذكرك بالمحبة. وإن تقرّبت إليه شبرا تقرّب منك باعا. وإن أتيته مشيا أتاك هرولة. وإن أتيته بقراب (١) الأرض خطيئة ولم تشرك به أتاك بمثلها مغفرة ؛ وهو الغفور الرحيم.
وفى التوراة : يا ابن آدم أظهرت الذنوب معى وأخفيتها عن الخلق ، وأبديت الحسنات لخلقى ولم تخلصها لى ، وأكلت رزقى ولم تشكرنى ، وبارزتنى بالمعاصى ولم تستح منّى ، ولم تحذرنى ؛ أمّا ما أظهرت من الذنوب فقد غفرتها لك ، وما أتيت من الحسنات بغير إخلاص فقد قبلتها منك ، وما أكلت من رزقى ولم تشكرنى فلم أحرمك الزيادة ، وما بارزتنى به ولم تستح منى فأنا أستحى أن أعذّبك بعد شهادتك لى بوحدانيتى ، وأنا الغفور الرحيم.
فتأمّل أيها العاصى هذه الكرامات التى أكرمك بها ، دعاك أولا بنفسه بقوله : والله يدعو إلى دار السلام ؛ من دار أوّلها بكاء ، وأوسطها عناء ، وآخرها فناء ، إلى دار أولها عطاء ، وآخرها لقاء ؛ وهى أحسن البنيان المسدس ؛ فإن الله خلقك مسدّسا ؛ فخمسة منها يدعوك إلى خمس جهات والله سادسهم : يدعوك من تلك الجهات كلّها إليه ؛ فالأمل يدعوك من بين يديك ، والشيطان يدعوك من خلفك ، والهوى يدعوك عن يسارك ، والشهوة عن يمينك ، والدنيا
__________________
(١) قراب الشيء بالكسر ، وقرابة ، وقرابته ـ بالضم : ما قارب قدره (القاموس).