والاصطفاء فعل الله ، وفعل الله مبنىّ على الابتداء ؛ قال تعالى (١) : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
والصلاح فعل العبد ، وفعل العبد مبنى على الخواتم ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : الأعمال بالخواتم.
وأعلم أنّ من سأل الله شيئا سأل الله منه ، فمن لا يقوم لله فيما سأل منه لا يعطيه ما يسأل ، ومن قام لله فيما سأل منه أعطاه بلا مؤنة ؛ ألا ترى أن الله أعطى لإبراهيم المال فى الدنيا والولد والمعجزات بغير سؤال ، فلما سأل إبراهيم بقوله (٢) : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ـ سأل منه الكلّ ، فقال له : أسلم ، أى الكل إلى الكل ، إن أردت الوصول إلى الكل. ولما سأل منه إحياء الموتى سأل الله منه إماتة الحى ؛ ألا ترى أنه قال (٣) : (فَلَمَّا أَسْلَما) ـ يعنى وضع السكّين على حلقه قال : إلهى بك ولك وإليك ؛ أى بك الصبر على فراقه ، ومنك إعطاؤه ، ولك الحكم فيه ، وإليك يرجع الأمر كله.
فإن قلت : ما الحكمة فى جزع إبراهيم وصبر إسماعيل؟
والجواب : إسماعيل عرف ـ برؤية المعرفة ـ أن إبراهيم إنما ابتلى بذبه ، لأنه التفت بقلبه عن الله ، فلو أنّ الولد التفت بقلبه لابتلى كما ابتلى إبراهيم. وأيضا جزع إبراهيم على مفارقة حبيب لم يكن له وصلة فى ذلك الوقت إلى من هو أحبّ إليه منه. وإبراهيم لم يجزع ؛ لأنه وصل إلى الحبيب المجازى.
وقيل لما وضع السكين على حلقه أراه الله نورا من أنواره أنساه ما يجد من الألم لوجود لذة ذلك النور ؛ كنساء مصر اللواتى قطّعن أيديهن برؤية يوسف.
__________________
(١) الأعراف : ٢٩
(٢) الصافات : ٩٩
(٣) الصافات : ١٠٣