الأوّل : إنّه لم غيّر الأسلوب وقد أخّر في بواقي الفقرات الفعل المنسوب إلى العبد كقوله : (وهوَ يَرْجُو ما سَلَفَ) وقوله : (وهو يأملُ فَضْلكَ) وقدّمه في الفقرة الأخيرة فقال : (أمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلكَ)؟.
وحاصل السؤال : إنّ مقتضى الفصاحة(١) سوق الكلام على نسق واحد ، فمانكتة التغيير؟/٥/
والجواب الحاسم لمادّة الشبهة وجوه بيّنة :
أوّلها : إنّ التغيير إنّما هو من باب التفنّن في الكلام ، فإنّ ذلك يفيد التطرئة في نشاط السامع ، إذ النفس يحصل لها الكسالة بمقتضى الجبلّة عمّا يعتاده كثرة ، فالتفنّن إنّما هو لإيقاظ المخاطب السامع ، فافهم(٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الفصاحة لغة : البيان ، وفصح الرجل فصاحة فهو فصيح ، تقول : رجل فصيح وكلام فصيح : أي بليغ ، ولسانه فصيح : أي طلق ، والفصيح : المنطلق اللسان في القول الذي يعرف جيّد الكلام من رديئه ، (لسان العرب ٢ / ٥٤٤ ، مادّة فصح).
(٢) التطرية : أي التجديد ، تقول : طَريتُ الثَّوبَ إذا عملت ما يجعله طريّاً كأنّه جديد ، لسان العرب ٢ / ١٣ (طرا).
قال الزمخشري : «إنّ الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، لأنّ السامع ربّما ملَّ من أسلوب فينقله إلى أسلوب آخر تنشيطاً له في الاستمالة على الإصغاء» ، الكشّاف ١ / ١٨.
ويردّ ابن الأثير عليه قائلا : «ليس الأمر كما ذكر ، لأنّ الانتقال في الكلام من أسلوب إلى أسلوب إذا لم يكن إلاّ تطرية لنشاط السامع وإيقاظاً للإصغاء إليه فإنّ ذلك دليل على أنّ السامع يملّ من أسلوب واحد فينتقل إلى غيره ليجد نشاطا للاستماع ، وهذا قدح في الكلام لا وصف له ، لأنّه لو كان حسناً لما ملّ» ، المثل السائر ٢٠ / ١٦٧.
ويرى ابن الأثير أنّ وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب فائدة اقتضته لا تحدّ بحدّ ولاتضبط بضابط وإنّما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه ، المثل السائر ٢٠/١٦٨.