وإنّ عدم بيانها لعثمان ولا لغيره من الصحابة وسكوته (صلى الله عليه وآله) عن البيان جعل الأمر يلتبس على عثمان ، ولو كان توقيفيّاً لوجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيانه؛ لأنّ التوقيفية معناها التعبّد والتقيّد بالنصّ ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يترك واجباً ومنزلاًمن قبل الله ؛ إذ لو صحّت دعوى توقيفية جميع السور فكيف يسمح عثمان لنفسه أن يفرّق بين الأنفال وبراءة؟
هذا مع الإشارة إلى أنّ عثمان وإن كان قد اجتهد في عدم الفصل بالبسملة بين الأنفال وبراءة اجتهاداً من عند نفسه كما هو واضح من كلامه ، إذقد ظنّ أنّهما سورة واحدة ، إلاّ أنّه قد ثبت أنّ عدم الفصل بالبسملة هو من الأمر التوقيفي ولم يأت في الإنزال الدفعي ، بل لكون البسملة أمان ورحمة وأنّ سورة براءة نزلت بالسيف.
قال الآلوسي في روح المعاني : «والحقّ أنّهما سورتان إلاّ أنّهم لم يكتبوا البسملة بينهما لِما رواه أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس عن عليٍّ من أنّ البسملة أمان ، وبراءة نزلت بالسيف.
ومثله عن محمّد بن الحنفية وسفيان بن عيينة ، ومرجع ذلك إلى أنّها لم تنزل في هذه السورة كأخواتها لما ذكر»(١).
__________________
والسور ، إلى عدم توقيفية السور واستدلّ بالخبر الآنف فقال : ... وفي العلم بعدم ذلك دليل على أنّه لم يكن منه توقيف ، ويدلّ على ذلك قول عثمان : «وكانت الأنفال من أوّل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصّتها تشبه قصّتها فظننتها منها» وهذا منه تصريح بعدم التوقيف وقد تضمّن ذلك أنّهما سورتان لأنّه سمّى كلّ واحدة باسمها.
(١) روح المعاني ١٠/٤١.