فقال عثمان : إنّ رسول الله كان ممّا يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، ولمّا نزلت عليه الآية فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها فظننت أنّها منها ، فقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبيّن لناأنّها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتها في السبع الطوال»(١).
وهذه الرواية ليس لها ظهور في توقيفية ترتيب السور إلاّ من خلال كلمة(كان) التي جاءت في صدر الرواية والدالّة على الاستمرارية من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) : «ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»(٢).
بل قد ترشدنا جملة : «ما حملكم ... فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وجملة : «وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبيّن لنا أمرها» إلى عدم توقيفيّتها ؛ (٣) لأنّها لو كانت توقيفية لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها ،
__________________
(١) سنن الترمذي ٥/٢٧٢ / ح ٣٠٨٦ ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، مسند أحمد١ /٥٧ / ح ٣٩٩ ، كنز العمّال ٢/٢٤٥ / ح٤٧٧٠ ، وقال الحاكم في مستدركه ٢/٣٦٠/ ح ٣٢٧٢ : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
(٢) سنن أبي داود١ / ٢٠٨ / ٧٨٦ ، الباب ٢٦ ، من جهر بها.
(٣) ذهب الباقلاّني (ت ٤٠٣ هـ) في (الانتصار لنقل القرآن) باب ترتيب الآيات