وَأُجَرَّفِي الأَغْلالِ مُصَفَّداً ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ القِيامَةِ ظالِماً لِبَعْضِ الْعِبادِ ، وَغاصِباً لِشَيء مِنَ الْحُطامِ. وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْس يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُها ، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُها ، وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلا ، وَقَدْأَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ، وَرَأَيْتُ صِبْيانَهُ شُعْثَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَولَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِيْنِي ، وَأَتَّبِعُ قِيادَهُ ، مُفَارِقاً طَرِيقِي ، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف مِنْ أَلَمِهَا ، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيْسَمِهَا. فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَاعَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعْبِهِ ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَّرَهَا جَبَّارَهَالِغَضَبِهِ!أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى وَلا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟! ... إلى قوله عليهالسلام : وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُه ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضِمُهَا ، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى وَلَذَّة لا تَبْقَى ... (١).
وهنا كتب نازويه في هذا الموضع من هامش المخطوطة الورقة ٦٣ بـ : «بكى السيّد الإمام وسيّد الحكماء».
وهي تدلّ على أُمور ثلاثة :
الأوّل : مدى بلاغة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وتأثير كلامه على السامعين ، ودقّة وصفه للزهد والخوف من الله جلّ وعزّ ؛ إذ لم تقتصر
__________________
(١) المصدر : ٤٦١ ، ٤٦٢/٢٢٤.